أويل برايس: هل باتت المواجهة العسكرية في شرق المتوسط محتومة؟
نشر موقع “أويل برايس” مقالا أعده سيرل ويدرشوفين قال فيه إن المقامرة الجيوسياسية التركية الأخيرة قد تنتهي بكارثة، وقال فيه إن مستقبل التنقيب عن الغاز في مياه شرق المتوسط تواجه مخاطر بسبب كوفيد-19 وانخفاض الطلب العالمي على الغاز، مما قاد الكثيرين لتأجيل مشاريع الغاز في قبرص ولبنان وإسرائيل واليونان.
وخفضت شركات الغاز والنفط ميزانيات التنقيب والإنتاج بشكل لم تترك فيه أي مجال للمخاطرة وتطوير الغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط في السنوات المقبلة.
وفي نفس الوقت تتزايد التوترات الجيوسياسية والعسكرية بين تركيا وبقية اللاعبين في المنطقة، قبرص ومصر واليونان وحتى إسرائيل.
وقال إن دعم أنقرة القوي وغير المتوقع لحكومة الوفاق الوطني التي تخوض حربا مع الجنرال خليفة حفتر في الشرق لم يؤد إلى حرف ميزان القوى في ليبيا فقط ولكنه وضع تركيا، عضو الناتو، في طريق صدام مع روسيا والإمارات أيضا. وفي نفس الوقت جاء تحرك الجيش التركي نحو ليبيا لا من أجل فتح الاحتياطات النفطية الليبية أمام الشركات التركية ولكن لتوسيع التأثير التركي في شرق المتوسط مما يضع أنقرة في مواجهة مع مصر وفرنسا بشكل محتمل.
وفي عام 2020 لم تعد المواجهة العسكرية بين دولتين عضوين في الناتو (تركيا وفرنسا) أو حلفاء الناتو (الإمارات العربية المتحدة ومصر وإسرائيل) في الشرق الأوسط خارج التفكير.
ويبدو من التحرك التركي في ليبيا أن هناك إستراتيجية تهدف لإقامة قواعد عسكرية في المنطقة. وفي 3 تموز/يوليو زار وزير الدفاع خلوصي أكار ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال ياسار غولر ليبيا لمراجعة النشاطات التي تسمح بها مذكرة التفاهم بين البلدين. وكان التركيز في أثناء الزيارة على توسيع التعاون الأمني والدفاعي والتدريب والتدريب المساعد والإشراف القيادي والذي تم إنشاؤه ضمن مذكرة التفاهم بين تركيا وليبيا في 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2019.
وبنفس المذكرة وقعت تركيا وليبيا اتفاقا لمنطقة اقتصادية خاصة أكدت على حقوق تركيا في منطقة شرق المتوسط، بشكل وضع تركيا في وضع صدام مع مصر واليونان وقبرص. وأصبحت إمكانية المواجهة العسكرية حاضرة منذ تلك اللحظة. ولكن التحركات وصلت نقطة اللاعودة، ففي 10 حزيران/يونيو قامت القوارب التركية بعملية استهداف راداري لبارجة فرنسية كانت تحاول الاقتراب من سفينة مدنية تركية يشتبه بانتهاكها حظر الناتو لنقل السلاح إلى ليبيا.
وقالت مصادر الحكومة الفرنسية إن الفرقاطة كوربيه اشتعلت ثلاث مرات بسبب الرادار التركي. وهو ما أدى لوقف الدعم الفرنسي لمهمة الناتو البحرية وطالبت بالتحقيق في الحادث. ويقول الكاتب إن فرنسا تناقش دعم خليفة حفتر الذي هزمت قواته وكذا دول في الناتو وإن بطريقة غير مباشرة مثل إيطاليا واليونان. وحذرت مصر وبشكل مفتوح تركيا وحكومة الوفاق الوطني بعدم اجتياز سرت، التي تعتبر بوابة إلى القطاع النفطي الليبي. وفي حالة واصلت أنقرة وطرابلس عملياتهما العسكرية فستدخل القوات المصرية لدعم حفتر.
وتعتبر الأزمة الحالية في داخل الناتو والاتحاد الأوروبي التي اندلعت نتيجة للتدخل التركي مثارا للقلق، لأن نزاعا داخليا داخل المنظمة العسكرية لن يضعفها أمام محاولات روسيا استعراض عضلاتها فقط ولكنها ستعرض أمن شرق المتوسط للخطر أيضا. وتحاول فرنسا الآن الضغط من أجل فرض عقوبات على تركيا. وفي 13 يوليو سيلتقي وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي لمناقشة العلاقات التركية مع الاتحاد الأوروبي.
وفي الوقت الذي تتركز فيه كل العيون على ليبيا الآن إلا أن التحركات العسكرية التركية في شرق المتوسط مثيرة للقلق. وكما لاحظ بعض المحللين فنشاطات تركيا الأخيرة تقع ضمن محاولة إخضاع الشرق الأوسط، فمشروعها في قطر والقرن الأفريقي والسودان والآن ليبيا هي محاولة لحصار الدول العربية، على الأقل حسب رأي هذه. وتهدف التحركات التركية في شرق المتوسط لفتح الباب أمام الشركات التركية للتنقيب عن الغاز والنفط، وتعتبر تهديدا لليونان وقبرص. وما يطلق عليها “إستراتيجية الوطن الأزرق” واضحة في أهدافها. وهي تستهدف منطقة بحر إيجة وشرق المتوسط والبحر الأسود. والتحركات في شرق المتوسط والتي لا تشمل فقط اليونان- قبرص بل أيضا مصر وإسرائيل واضحة.
ولكن الفوضى الحالية في الناتو والاتحاد الأوروبي قد تعرقل جهودا مشتركة ضد أي تحرك غير مرغوب لتركيا بالمنطقة. وفي السنوات الأخيرة ركز المحللون على الدعم الأمريكي لدمج شرق المتوسط اقتصاديا ومن خلال الطاقة عبر منبر شرق المتوسط للغاز الطبيعي. ودعم مجلس الشيوخ والكونغرس بعضا من التحركات المعادية لتركيا مثل إنهاء العقوبات العسكرية على قبرص. كما قدمت مراكز البحث في واشنطن مثل أتلانتك كاونسل صورة إيجابية مؤيدة لشرق المتوسط (مصر وقبرص واليونان وإسرائيل) وتحدثت عن دعم عسكري وسياسي واقتصادي.
لكن هذه السياسة لا أحد يصدقها خاصة أن إدارة ترامب فتحت الباب لعلاقات جديدة مع أنقرة. فتدخل عسكري أمريكي مع الناتو أو تحرك أوروبي خالص يظل غير واقعي، وهو ما يفهمه رجب طيب أردوغان بناء على تحركاته الأخيرة. وقال إن صمت الناتو والاتحاد الأوروبي يعني أن اليونان وقبرص ستكونان هدف تركيا المقبل. وعلبة الكبريت المشتعلة في شرق المتوسط لن تهدد مستقبل الغاز فقط بل وسيهدد نزاع عسكري مع تركيا معظم نقاط البضاعة والتجارة، فهي مواجهة قد تغلق مضيق الدردنيل وقناة السويس ونقاط الاتصال البحري بين ليبيا وإيطاليا.