أوزبسكتان تطمح لتكون مكة الثانية ووجهة للزوّار من جميع أنحاء العالم
يبدو أن لأوزبكستان طموحات لتصبح مكة الثانية ووجهة للزوّار من جميع أنحاء العالم، فهي البلد التي توجد بها مئات الأماكن الدينية التي تجذب الزوّار من مختلف الأديان والأمم.
إنها أكبر بلد في آسيا الوسطى من حيث عدد السكان، ولديها عدد كبير من المساجد والأضرحة المحمية والمدن الشهيرة التي تربطها بطرق كانت جزءاً من طريق الحرير، مثل سمرقند وبخارى.
بالنسبة لملايين الأوزبكيين، هذه أماكن مقدسة، لكن بالنسبة للحكومة، تمثل تلك الأماكن فرصة لتعزيز السياحة؛ إذ تسعى البلاد للانفتاح على العالم بعد عقود من العزلة والحكم الاستبدادي، حسب موقعBBC Mundo الإسباني.
هنا سمرقند.. «قلعة الأرض» ومركز تيمورلنك الرهيب
سمرقند هي موطن لعشرات من المقابر الرائعة، ودفنت بها شخصيات بارزة مثل الإمبراطور تيمورلنك، والفلكي ألوك بيك وقثم بن العباس، ابن عم النبي، الذي كان في جيش قتيبة بن مسلم الذي أدخل الإسلام إلى أوزبكستان في القرن السابع الميلادي.
وشهد قثم بن العباس بن عبد المطلب المعروف في أوزبكستان بشاه زنده فتح سمرقند، ويعد ضريحه أحد معالم المدينة.
شاهد الضريح الضخم المزخرف بعناية
دفن العديد من القادة وعلماء الدين المسلمين في سمرقند.
ولكن هناك مقبرة لا تشبه أي مقبرة أخرى.. في كل صباح، يتسلق مئات الأشخاص إلى قمة تل في ضواحي المدينة لزيارة قبر غريب الشكل، محاط بالفستق والمشمش، بين أنقاض المدينة القديمة.
يمكن سماع غناء الطيور وترديد الصلوات في كل مكان، والأسر متجمعة تتقاسم وجبات الغداء والأزواج الشباب يأخذون صوراً شخصية في مكان قريب.
لكن ليس جميع الوافدين مسلمين؛ لأنه يعتقد أن هذا هو قبر النبي دانيال، أو دانيار، كما يطلق عليه الأوزبك.
يقول فردوسي، وهو مرشد شاب «يأتي المسلمون والمسيحيون واليهود إلى هنا ويصلون صلواتهم كل وفقاً لدينه». وأضاف «كان القديس دانيال يهودياً لذا يقدسه اليهود والمسيحيون، لكن المسلمين يبجلونه أيضاً لأنه نبي من عند الله».
أغلبية السكان في أوزبكستان مسلمون ومعظم الزائرين للمقدسات هم من السكان المحليين.سافرت ديلرابو وابنتها وحفيدتها للصلاة في ما يطلقون عليه قبر دانيار.
تقول ديلرابو «كثيراً ما أتيت هنا لأصلّي من أجل روحه». وتابعت «لم يكن فقط نبياً يهودياً، لقد أُرسل إلى جميع البشر، لقد أسميت حفيدي دانيار تكريماً له».
بعد الصلوات التي يقودها الملا، تنضم ديلرابو وابنتها سيتورا وحفيدتها إلى طابور لمشاهدة الضريح عن قرب.
هو مبنى رائع، بطول أكثر من 20 متراً مصنوعٌ من الطوب الرملي اللون على الطراز الإسلامي في العصور الوسطى، مع أقواس داخلية وسقف مقبب.
داخل الضريح يوجد تابوت يبلغ طوله 18 متراً مغطى بقماش مخملي أخضر داكن وبخيوط ذهبية مطرزة كُتبت عليه آيات من القرآن الكريم.
في النهاية يلمس المريدون شجرة الفستق المعمرة، ويطلبون من الله ما يتمنون تحقيقه.
هذا المكان هو واحد من القلائل في العالم حيث يلتقي الناس من مختلف الأديان لأداء الصلوات.
تقول سوزان «أنا يهودية، ويمكنني أن أصلي هنا إذا أردت، كما يستطيع المسيحيون كذلك أن يصلّوا هنا». وتابعت «يتعلق الأمر بتسامح الشعب الأوزبكي، فقد جعلوه مكاناً يجمع الناس معاً».
تقول كريستينا من موسكو أن صديقاتها جئن من روسيا لطلب الشفاء من المرض. وأضافت «لقد تم لهم الشفاء».
الأساطير القديمة لا تزال تعيش هنا
إن الاعتقاد بالقدرات الخارقة للقديسين أو الأماكن المقدسة أو الشفاء هو تقليد متجذر في أوزبكستان ويعود الحج إلى الأضرحة إلى آلاف الأعوام منذ زمن الشامان والبوذيين والزرادشتيين، حتى إن أكثر من 1200 سنة من الوجود الإسلامي لم يمحُ هذه التقاليد القديمة، لأن الناس ببساطة خلطوا معتقداتهم القديمة بالدين الإسلامي.
لا عجب إذن أن الأماكن مثل قبر دانيال مليئة بالأساطير.
هناك العديد من الأساطير التي تفسر سبب بقاء تابوت دانيار طوال هذه السنوات.
لماذا القبر طويل للغاية؟
بخصوص سبب طول القبر الذي يبلغ 18 متراً، يعتقد الكثيرون أن النبي دانيال كان رجلاً طويلاً جداً أو أن قبره يزداد طوله قليلاً كل عام.
توجد المئات من الأضرحة في جميع أنحاء أوزبكستان، وكثير منها تم هجرها أو غلقها خلال الحقبة السوفييتية.
يقول خورشيد يولدوشيف، وهو طالب سابق في مدرسة دينية «إن إسلام آسيا الوسطى مرن وشامل وممتزج مع التقاليد المحلية».
وتابع «هذا هو السبب في تفسير الدين بطريقة أكثر تسامحاً، وتقاليد زيارة الأضرحة أمر أصيل وجزء من ثقافتنا».
نسوة يصلين في ضريح زنكي-أوتا بالقرب من العاصمة طشقند.
لكن هناك وجه آخر لأوزبكستان!
الإسلام السياسي هو شيء تخشاه الحكومة الأوزبكية منذ فترة طويلة قبل وبعد استقلالها عن الاتحاد السوفيتي، وفي ظل حكم الرئيس الراحل إسلام كريموف الذي استمر 26 عاماً، تم سجن الآلاف من الإسلاميين المعارضين.
تقول أوزبكستان الآن إنها تتغير؛ فقد وعد الرئيس الحالي شافت ميرزيوييف، الذي جاء إلى السلطة بعد وفاة كريموف في عام 2016، بالمزيد من الحرية الدينية.
يقول شوازيم مينوفاروف، رئيس مركز الحضارة الإسلامية الذي أُنشئ حديثاً في العاصمة طشقند «تطلق الحكومة سراح أولئك الذين تخلوا عن أفكارهم التي اُعتقلوا بسببها».
يعتقد مينوفاريف أن الأوزبكيين الذين عاشوا في الاتحاد السوفييتي الذي تبنى الإلحاد واجهوا أزمة في المعرفة والتوجيه بمجرد اختفاء الشيوعية.
خلال التسعينيات، انضم مئات الشباب الأوزبكيين اليائسين إلى منظمات تتراوح بين طالبان والقاعدة. وتأمل السلطات الآن أن يسهم الاهتمام بالتقاليد الدينية المحلية في القضاء على التشدد.
وكان الرئيس الأوزبكي إسلام كريموف «ألقى باللوم على الجماعات الإسلامية المتطرفة» في الاضطرابات التي حدثت في البلاد بعد الاستقلال، و»التطرف» هو التسمية التي استخدمها لوصف المعارضين السياسيين في السنوات الأخيرة، ويقول منتقدوه إنه يستخدم كذريعة للحفاظ على دولة قمعية وفاسدة»
وبينما كانت الحكومة تروّج لنمطها الديني، كانت تقوم بحملات قمعية شديدة ضد المعارضين الإسلاميين والناشطين من خلفيات سياسية قريبة فكرياً من حزب التحرير الإسلامي والنورسيين الأتراك، وقمعت الحكومة أي إشارة لحركة إسلامية خارجة عن سيطرة الدولة، وشمل ذلك إغلاق العديد من المساجد واعتقال الكثيرين.
وتضم مدينة بخارى، على طريق الحرير، العديد من المساجد والأضرحة، بينها المقبرة ذات السقف المهيب للإمبراطور تيمورلنك.
مئات أو آلاف الأضرحة
لا أحد يعرف على وجه اليقين عدد الأضرحة الموجودة في أوزبكستان، يقدر بعض المسؤولين أنه حوالي 2000، وهذه الثروة هي فرصة للحكومة لتعزيز السياحة.
9 ملايين زائر محلي للأضرحة!
يقول عبد العزيز عقولوف، نائب مدير لجنة السياحة في أوزبكستان «في العام الماضي فقط، قام ما يقرب من 9 ملايين مواطن أوزبكي بالحج إلى الأضرحة».
ولا يزال عدد السياح الأجانب أقل، إذ يبلغ حوالي مليوني زائر سنوياً، لذا قامت البلاد بفتح حدودها أمام الدول المجاورة وخفّضت قيود التأشيرات للعديد من الدول الأخرى.
بلد المحدّث الأكبر والصوفي الأشهر
يقول عقولوف «دُفن في أوزبكستان العديد من العلماء ورجال الدين على مستوى العالم مثل الإمام محمد بن إسماعيل البخاري (راوي الأحاديث الأشهر في التاريخ الإسلامي) أو بهاء الدين النقشبندي (شيخ الطريقة النقشبندية ومؤسسها)».
وتابع «يمكن لبلدان مثل إندونيسيا وماليزيا وتركيا والهند أن تكون مصدراً لملايين الزوّار الراغبين في زيارة هذه الوجهات والأضرحة».
إمكانيات هذا البلد كبيرة حقاً؛ إذ يقدّر عدد مريدي الشيخ الصوفي بهاء الدين النقشبندي بأكثر من 100 مليون مريد في جميع أنحاء العالم، يمثلون عدداً كبيراً من الوافدين المحتملين إلى ضريحه في مدينة بخارى القديمة.
حتى الآن، يمثل السكان المحليون أغلبية الزوار، مثل ديلرابو وابنتها سيتورا وحفيدتها التي تراقبها أعين المتطفلين بين الفينة والأخرى، والتي ما إن انتهى الكبار من أمنياتهم عند شجرة الفستق، حتى وضعت الحلوى على المقعد واقتربت بدورها من الشجرة لتهمس بأمنية ما.