أنجبت من 3 رجال دون طلاق! سوريات أصبحن متعدِّدات الأزواج، والسبب ليس الحرب فقط
في إحدى الحدائق العامة بدمشق التقيتها، كانت ترتدي معطفاً رقيقاً وحجاباً أسودَين أضافا شيئاً من العمر على ملامحها البريئة، كَحال الأطفال الثلاثة الذين رافقوها في جلستها وأرغموني على اعتقاد أنها تقارب 30 من العمر، لكنها في الحقيقة تجاوزت الـ20 بعام واحد فقط، وفي سنواتها القليلة هذه 3 أزواج و3 أولاد أيضاً.
ندى، القادمة من إحدى المناطق المحاصرة، كانت منذ قرابة العام زوجة لـ3 رجال في آن واحد، وأماً لـ3 أولاد يختلفون في أنسابهم ويرجعون لهذه الزيجات الثلاث، ولا يمكلون أي نسب أو سجلات رسمية تثبت هويتهم.
ففي السابق، كان من الشائع السماع بتعدد الزوجات، لكن اليوم هناك ظاهرة جديدة في سوريا تتمثل بتعدد الأزواج، أي إن هناك نساء متزوجات بعدة أزواج في الوقت نفسه! وذلك بسبب الفوضى وانتشار الزواج العرفي بشكل كبير، بالإضافة إلى انتشار ما بات يُعرف بـ”الطلاق العرفي”، الذي يستند عادة إلى إفتاء بعض الشيوخ الذين يحلّون هذا الأمر؛ بسبب فهمهم الخاطئ للدين، حسبما تشرح المحامية ردينة تميم.
مع كل غيبةٍ زواجٌ
مشكلة ندى بدأت حينما بلغت 15 سنة وكانت الحرب قد اندلعت في سوريا، فأخذت الأوضاع الاقتصادية تتراجع، وتأزمت حالة عائلتها المادية فقرر والدها تزويجها وعدم إكمال دراستها.
تزوجت الشابة الصغيرة وسجَّلت زواجها في المحكمة الشرعية بدمشق.. وبعد نحو العام، أنجبت ابنها الأول، لكن زواجها لم يدُم طويلاً؛ إذ اعتُقل الزوج وانقطعت أخباره، وجاء ذلك بالتزامن مع اضطراب الأوضاع في مخيم اليرموك؛ ومن ثم تعرضهم للحصار.. وبعد عدة أشهر، قرر والدها تزويجها من جديد رغم أنها في سجلات الدولة ما تزال على ذمة زوجها الأول، ولم تثبت نسب ولدها الأول.
بسبب ظروف الحصار -كما تقول ندى في حديثها لـ”عربي بوست”- لم تملك وسيلة لتُثبت الطلاق أو نسب الطفل، وكان الحل الوحيد الاعتماد على الطلاق الشفهي والزواج الشفهي بإشراف أحد رجال الدين في المنطقة. وبعد مضي نحو سنتين على زواجها الثاني، أنجبت طفلاً جديداً، ثم فقدت الزوج بقذيفة صاروخية، فقرر والدها -وللمرة الثالثة- تزويجها بعقد عرفي من جديد، وأيضاً أنجبت من زوجها الجديد.
لطلاق الغيبة شروطه
لا تُعتبر المرأة التي غاب عنها زوجها طالقاً فعلاً إلا إذا أقامت دعوى قضائية أمام المحكمة وصدر حكم بالطلاق، كما تؤكد المحامية ردينة تميم. والطلاق -كما هو معروف شرعاً وديناً- يحتاج للتلفُّظ بألفاظ معينة على لسان الزوج أو القاضي؛ ومن ثم غياب الزوج لا يعني أنها طُلقت من تلقاء نفسها.
ظاهرة الطلاق العرفي أصبحت أكثر انتشاراً في المناطق المحاصرة مع وجود حالات بمناطق أخرى، حتى إن بعض الشيوخ يتساهلون في موضوع العِدة الشرعية، التي تعني شرعاً 3 حيضات، فيختصرونها اليوم لحين تبيُّن عدم وجود حمل.
وترى تميم أن هذه الحالات ليست مرتبطة بالمناطق المحاصرة فقط، ولكنها تتعلق بالجهل القانوني والديني وتجاهُل الحلال والحرام، فبعض النساء يعتبرن أنفسهن مطلقات بمجرد غيابهن عن الزوج، وقد تدخل في زواج ثانٍ حتى لو كانت بنظر القانون على ذمة رجل آخر.
المحامية المختصة بقضايا الأسرة، تتذكر قصة السيدة المقيمة في جرمانا والتي جاءتها للمكتب وهي حامل طالبةً الطلاق من زوجها، وحينما اقترحت عليها محاولة الإصلاح بينها وبينه، أخبرتها السيدة بأن حملها ناتج عن زواج ثانٍ، وأنها تنوي الطلاق من زوجها الأول الذي تركته بعد خلافات وعادت إلى منزل عائلتها واعتبرت نفسها مطلَّقةً منه، بعد مضي أكثر من عام على الفراق! “السيدة لم تفكر في الطلاق إلا حينما أرادت إثبات نسب طفلها الجديد”.
قانون الغائب
تأخير طلاق المرأة من زوجها بسبب المساطر القانونية الطويلة؛ بالإضافة إلى وجود الزواج العرفي الذي لا يدلل من خلال الأوراق الرسمية على ما إذا كانت المرأة متزوجة أم لا؛ وأيضاً طمع أهل بعض الفتيات في تزويج ابنتهم رجلاً عربياً غنياً، كل هذه الأسباب تؤدي إلى تعدد الأزواج، حسب المحامية رهادة عبدوش.
وخلال الحرب، ظهر قانون يتعلق بالغائب، وبموجبه تُعتبر المرأة مطلَّقةً بعد سنة من الغيبة، في حال رفعت دعوى طلاق للغيبة.
وتشرح عدوش بأن بعض الفتيات لجأن إلى هذا القانون؛ لتفادي المساطر والوقت الطويل الذي يحتاجه الطلاق بالمحاكم، لكن هذه الخطوة لا تخلو من العقاب في حال تم اكتشافها؛ إذ ستُتهم بالزنا وستُعاقب بالسجن هي وزوجها الثاني، الذي سيُعتبر بدوره شريكاً في الزنا، كما يعاقَب الشيخ المسؤول عن تنظيم عقد الزواج العرفي بينهما.
خلال إحدى عمليات وقف إطلاق النار، تمكنت ندى من الوصول إلى دمشق، وقررت البدء بحل مشكلتها المعقدة وإثبات أنساب أولادها، الذين بقوا غير مسجَّلين في السجلات المدنية. أولى الخطوات التي قامت بها اللجوء إلى إحدى المنظمات كي تساعدها وتوفر لها محامياً متطوعاً، وبدأت بعدها رحلة إثبات زيجاتها وأنساب أولادها والتي بدأت من نحو العام ولم تنتهِ حتى الآن. يصفها البعض بأنها سيئة الحظ، “لكن وضعي لا يختلف عن كثيرات عِشن ظروفاً مشابهة خلال الحرب”، تختم ندى قبل أن تجرَّ أولادها الـ3 وتختفي بين أشجار الحديقة.