أمريكا أكثر بياضاً.. خطة ترامب لإقصاء ملايين المسلمين واللاتينيين من تعداد السكان
هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتأجيل التعداد السكاني للولايات المتحدة بسبب الخلاف حول طريقة تقسيم الدوائر، إذ أن ترامب يريد إجراء تعداد سكان أمريكا بطريقة تؤدي إلى إبعاد ملايين المسلمين واللاتينيين وغيرهم من الأقليات، فما هدف ترامب من تأجيل التعداد السكاني لأمريكا؟
يريد إجراء تعداد سكان أمريكا بطريقة تؤدي إلى إبعاد ملايين المسلمين واللاتينيين وغيرهم من الأقليات، فما هدف ترامب من تأجيل التعداد السكاني لأمريكا؟
سكب ترامب مزيداً من الزيت على نار الجدل في هذا الموضوع من خلال تهديده على موقع تويتر، باحتمال تأجيل التعداد السكاني المفترض إجراؤه عام 2020، حسب ما ورد في تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.
وتُظهِر آخر تقديرات التعداد من مسح المجتمع الأمريكي عام 2017 أن 61% من إجمالي تعداد سكان أمريكا هم من العرقية البيضاء، لكن هذه العرقية تمثل 68% من إجمالي السكان في سن التصويت.
ترامب يريد إجراء تعداد سكان أمريكا بطريقة تؤدي إلى إبعاد ملايين المسلمين واللاتينيين
لم يكن قرار المحكمة العليا الأمركية الصادر يوم الخميس 27 يونيو/حزيران، بوقف إدراج السؤال عن الجنسية مؤقتاً عن تعداد عام 2020، سبباً كافياً ليحتفل به أولئك الذين يُقدِّرون التنوُّع المطرد للولايات المتحدة، ولا لأولئك الذين يُساورهم القلق حيال تأثيرات تكوين صورةٍ غير دقيقةٍ عن السكان.
إذ يُبقي هذا القرار المؤقت الباب مفتوحاً أمام أكثر محاولات إدارة ترامب طموحاً لإبقاء أمريكا بيضاء في التصوُّر العام، رغم ما لهذا التوجه من عواقب سياسيةٍ محفوفةٍ بالمخاطر.
وكانت نتيجة تصويت لجنة المستشارين على القرار داخل المحكمة 5 إلى 4.
ويدعم قرار المحكمة العليا، حتى الآن قرارات العديد من المحاكم الأقل شأناً، وآراء العشرات من المدعين العامين، والجمعيات المهنية، ومديري التعداد السكاني السابقين، وموظفي مكتب التعداد، الذين يعتقدون جميعاً أن إضافة سؤالٍ عن الجنسية سيتسبَّب في إحصاءٍ معيبٍ، وفي استبعاد قطاعٍ كبيرٍ من المواطنين المولودين خارج البلاد، ومن العرقيات المسلمة واللاتينية والآسيوية.
نتيجةً لذلك سيُحرَم هؤلاء السكان ومجتمعاتهم من الموارد الحكومية، وسيُسلَبون تأثيرهم السياسي.
لماذا يستفيد الجمهوريون من قاعدة صوت لكل مواطنٍ في سن الانتخاب؟
مع ذلك لا يزال وزير التجارة الأمريكي ويلبور روس مُصرّاً على أن إضافة السؤال لإنفاذ قانون حق التصويت، الذي ينُص على أن المواطنين من مجموعاتٍ عرقيةٍ مختلفةٍ يجب أن يوضعوا في الاعتبار عند ترسيم الدوائر التشريعية، غير أن البيانات المتوافرة من مسح المجتمع الأمريكي الذي يُجريه مكتب التعداد الأمريكي لطالما كانت كافيةً لهذا الغرض.
في حال وصلت المحكمة العُليا إلى قرارٍ نهائي، في وقتٍ لاحقٍ من الصيف الجاري أو حتى في الخريف المُقبل، يصُبّ في صالح الإدارة الحالية، قد تحاول بعض الولايات تغيير قواعد رسم الدوائر التشريعية من «صوت لكل مواطن» إلى «صوت لكل مواطنٍ في سن الانتخاب».
إذ إن توافر بيانات حالة مواطنة كل فردٍ بهذا الشكل قد يُغري الولايات التي تخضع للجمهوريين بترسيم دوائر تشريعيةٍ على أساس تعداد المواطنين ذوي الأصوات الانتخابية الشرعية -المواطنين في سن 18 فما فوق- بدلاً من أن تكون على أساس إجمالي تعداد السكان، كما هي الآن.
ونتيجة لذلك فإن كلَّ الدوائر الانتخابية في أية ولايةٍ ذات أغلبيةٍ كاسحةٍ من البيضستصبح ذات أغلبيةٍ كاسحةٍ بفارقٍ كبيرٍ، الأمر الذي سيوفر وسيلةً للمزيد من الغش الذي سيصب في صالح الجمهوريين أكثر مما كان ممكناً في السابق، حسبما تقول الصحيفة الأمريكية.
كانت المحكمة العُليا قد حكمت عام 2016 في قضية سابقة بالسماح للولايات باستخدام المجموع الكلي لتعداد السكان لترسيم الدوائر التشريعية، لكنها لم تسمح باستخدام تعداد الأصوات الانتخابية لهذا الغرض، بل تركت الباب مفتوحاً، وألهم ذلك أنصار وضع سؤال الجنسية بالضغط على الإدارة لإضافته في تعداد 2020.
ويرجع السبب الحقيقي وراء محاولة إدراج تلك الإضافة المتأخرة للتعداد الخاصة بالسؤال عن الجنسية إلى الرغبة في كسب أفضليةٍ سياسيةٍ للجمهوريين على المدى البعيد، عبر جعل مزيدٍ من الدوائر تبدو ذات أغلبيةٍ بيضاء أكثر مما هي عليه في الواقع، بالنظر إلى أن نسبة البيض تزيد في شريحة السكان ذوي الحق في التصويت عن نسبتهم في مجمل السكان الذين يضمون شرائح كبيرة من المهاجرين ليس لهم الحق في التصويت.
والبيض يمثلون الكتلة التصويتية للجمهوريين خاصة في الولايات المحافظة، بينما الأقليات تمنح أصواتها عادة بنسبة أكبر للديمقراطيين.
كانت هذه الاستراتيجية السياسية قد اقتُرِحَت في المذكرات الداخلية المتعلِّقة بالموضوع بين ويلبور روس وستيفن كيفين بانون، المناهض لاستقبال المهاجرين، وكريس كوباتش.
وأوضحت الاتصالات التي كُشِفَت حديثاً بين توماس هوفلر، الذي كان قبل وفاته متخصصاً جمهورياً في التلاعب الانتخابي، ووزارة العدل، بشكلٍ صريحٍ أن إضافة سؤال الجنسية سيصبّ في صالح «الجمهوريين والبيض غير اللاتينيين».
هذه الطريقة ستحذف 9 ملايين شخص من التعداد 2020
وقد ورد في بحثٍ جديدٍ لمكتب التعداد أن سؤال الجنسية قد يخفض نسبة التجاوب بين الأُسر التي تضم فرداً واحداً على الأقل لا يحمل جنسيةً بنحو 8%، في مقابل توقعاته السابقة بانخفاض التجاوب بنسبة 5.8%.
ووفقاً لمحامي اتحاد الحريات الأمريكي ديل هو، فإن ذلك قد يؤدي لعدم إحصاء نحو 9 ملايين نسمةٍ في تعداد 2020، «أكثر من تعداد سكان ولاية نيوجيرسي التي تحتل المرتبة رقم 11 بين الولايات الأمريكية من حيث تعداد السكان».
ويُظهِر تحليل أجراه كاتب التقرير لبيانات مسح المجتمع الأمريكي أي المجموعات العرقية ستكون أكثر تضرراً من هذا الإسقاط: اللاتينيون، والآسيوين، والشباب، وسكان الأقاليم الحضرية. سيؤدي عدم تجاوبهم للتعداد إلى إعادة توزيعٍ معيبةٍ لمقاعد الكونغرس بما يقلل من تمثيل الولايات التي تضم مهاجرين أكثر من غيرها.
وبعض الولايات الكبرى ستفقد مقاعدها في الكونجرس
وبعودة القضية الآن إلى المحاكم الفيدرالية الأقل شأناً، قد يظل الجمهوريون قادرين على تحقيق مكاسب من تعدادٍ نهائيٍ يُثير الخوف لدى المهاجرين ومجموعات الأقليات التي يُعاديها ترامب.
وإذا اتخذت المحكمة العُليا قراراً نهائياً خلال الأشهر القليلة القادمة المتبقية قبل موعد طباعة الاستبيان الذي قد يحل في أكتوبر/تشرين الأول المقبل (إن لم يؤتتهديد ترامب بتأخير التعداد ثماره) فسيكون التأثير الفوري لتعدادٍ معيبٍ هو كيفية إعادة ترتيب مقاعد الكونغرس على الولايات.
إذ يمكن أن يؤدي ذلك إلى خفض مقاعد النواب عن بعض الولايات الديمقراطية (مثل كاليفورنيا) والجمهورية (مثل تكساس) ذات التعداد الكبير من المهاجرين.
أما الأفضلية طويلة الأمد التي سيكتسبها الجمهوريون من إجابة كل الخاضعين للتعداد على سؤال الجنسية فستكون تغيير القواعد التي تُرسم بناءً عليها الدوائر التشريعية داخل الولايات.
وقد أبدت ولايتا تكساس وأريزونا اهتمامهما بالفعل باستخدام تعداد الأصوات المؤهلة أساساً لتقسيم الدوائر بدلاً من التعداد الكلي للسكان. وسيمنحهما سؤال الجنسية في التعداد الأدوات اللازمة لفعل ذلك، موفراً لهم الوسيلة لرسم دوائر أوسع وذات تعدادٍ أكبر من البيض بتحررٍ من قيود الحدود الحضرية، ومن ثم تمييع تمثيل السكان الأصغر سناً، والأكثر تنوعاً وكثافةً سكانيةً، والذين يمثلون قطاعاً من سكان الولايات أكبر من قطاع السكان الذين هم في سن الاقتراع.
بفعل ذلك ستتضاءل استفادة تلك الجماعات من التمويل الحكومي والفيدرالي للتعليم، والسكن منخفض الكلفة، والرعاية الصحية، والخدمات الأسرية.
لكن كيف سيجعل ذلك الدوائر الانتخابية أكثر بياضاً؟.. حقيقة الرقم الذي يخيف ترامب
لا يرتكز ذلك فقط على أن شريحة السكان غير المواطنين في سن الانتخاب هي أقل عدداً من البيض من مجمل السكان في سن الانتخاب، وإنما كذلك لأن السكان دون سن الثامنة عشرة -الذين تشملهم الآن أرقام ترسيم الدوائر بناءً على التعداد الكلي للسكان- هم أكثر تنوُّعاً عرقياً من البالغين في سن الانتخاب.
فما قد يزعج ترامب وأنصاره أن 51% فقط من السكان ممن تحت سن التصويت هم من البيض، بينما 61% من إجمالي تعداد سكان أمريكا هم من العرقية البيضاء، لكن هذه العرقية تمثل 68% من إجمالي السكان في سن التصويت.
يظل احتمال إضافة سؤال الجنسية إلى تعداد 2020 غير مؤكدٍ حتى الآن، مع أننا متأكِّدين أن إدارة ترامب لن تتخلَّى بسهولةٍ عن محاولتها جعل أمريكا بيضاء مجدداً.
غير أن الشهور القليلة المقبلة ستكون صعبةً، ومن المرجح أن قاعدة «صوتٍ لكل مواطنٍ» لترسيم الدوائر ستظل تواجه تحدياتٍ من الولايات التي يحكمها الجمهوريون على أمل أن يُبقوا دوائرهم التشريعية أكثر بياضاً وأكبر سناً من سكانها.
وإنه لمن المؤسف وجود احتمال خلق فجوةٍ بين سكان أمريكا النابضين المتنوعين، وبين دوائرها التشريعية. لكن الخبر الجيد هو أن أولئك السكان الأصغر سناً، والأكثر تنوعاً سيُصبحون عما قريبٍ جزءاً من سياسات الكيان، وستُدركك كل فروع الحكومة أنه لا يجب تجاهل مستقبل الأمة الديموغرافي.