أصدقاء واشنطن وحتى خصومها يمدّون لها يد المساعدة، ماذا وراء ذلك؟
تفتخر الولايات المتحدة على الدوام بتقديم المساعدة لدول أجنبية كدليل على حسن النية، والآن بات على حلفائها وخصومها مدّ يد العون لها بعد أن تضّررت بشدّة من تفشّي وباء كوفيد-19، لكن هذه المساعدة ليست من دون مقابل، كما تقول وكالة الأنباء الفرنسية.
ففي الأسبوعين الماضيين أرسلت كلّ من تركيا التي تسعى إلى تبديد التوتر مع حلفائها في حلف شمال الأطلسي، ومصر التي يعتمد رئيسها على دعم نظيره الأمريكي دونالد ترامب، إلى الولايات المتحدة طائرات محمّلة بمعدّات طبيّة. وأرسلت تايوان التي تعتمد على واشنطن للدفاع عنها من الصين، ملايين الكمامات.
كما أرسلت كلّ من الصين وروسيا، خصمتا واشنطن، معدّات طبية إلى الولايات المتحدة حيث تسبّب تفشي فيروس كورونا المستجدّ بوفاة أكثر من 67 ألف شخص.
ماذا وراء هذه الهبات؟
هذه الهبات غالباً ما يستخدمها القادة لكي يظهروا لشعوبهم أنهم يكسبون “احترام وإعجاب العالم”، بحسب الأستاذ الجامعي نيكولاس كال الذي يجري أبحاثاً حول السُّمعات الدولية في جامعة جنوب كاليفورنيا.
يقول كال لـ AFP، إن الهبات الأكثر إيجابية من ناحية الصورة هي تلك التي يبدو أن لا دوافع سياسية خلفها، كإرسال ألبانيا، وهي من أفقر الدول في أوروبا، أطباء إلى إيطاليا. وعلى العكس، أثارت المساعدة الصينية شكوكاً في وقت تتّهم فيه واشنطن بكين بالتستّر على مصدر الوباء.
واشنطن قبلت كل المساعدات تقريباً
التاريخ المعاصر مليء بأمثلة على دول رفضت حكوماتها أي مساعدة دولية، لكنّ الولايات المتحدة أكّدت أنّها ترحّب بأي تعاون في مكافحة فيروس كورونا المستجد. وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية: “نثمّن الكرم والدعم من كافة أنحاء العالم”.
وأرسلت الإمارات معدّات لكشف الإصابات بينما بعثت دول حليفة كبولندا، طواقم طبية. ولم تتلقّ الحكومة الفيدرالية الأمريكية مساعدة مباشرة من الصين، لكنّ بكين ساعدت واشنطن من خلال تقديم مساعدات لولايات أمريكية أو من خلال هبات خاصة.
وفي نهاية آذار/مارس أعلن جاك ما، أغنى رجل في الصين، تقديم 500 ألف فحص لكشف الإصابة وشكره حاكم نيويورك على هذه الهبة، وشكر أيضاً مؤسسات صينية والقنصلية الصينية لإرسالها ألف جهاز تنفس اصطناعي.
ومؤخّراً قدّمت مقاطعات صينية مساعدات لولايتي ميريلاند ويوتاه، وأظهرت صور مسؤولين أمريكيين يحملون لافتات ترحب بهذه الصداقة.
“لفتة لطيفة جداً من روسيا”
أما روسيا، فقد أثارت ضجة إعلامية عندما أرسلت طائرة عسكرية محمّلة بكمامات وأجهزة تنفس ومعدات أخرى إلى نيويورك، في لفتة وصفها دونالد ترامب بـ”اللطيفة جداً”، حتّى وإن شدّدت الخارجية الأمريكية على أنّها ليست هبة بل بضاعة دفع ثمنها.
ومذّاك ارتفع عدد حالات كورونا في روسيا بشكل كبير، في حين تساءل رواد منصات التواصل الاجتماعي، عن آثار الدعم التركي للأمريكيين، وحقيقة قدرة مصر فعلاً على مساعدة الآخرين.
تبديد التوتر بين أنقرة وواشنطن بالمساعدات
قدّمت تركيا مساعدات لـ55 بلداً، ويأمل رئيسها رجب طيب أردوغان بتبديد التوتر خصوصاً مع الكونغرس الأمريكي بشأن شراء أنقرة نظام دفاع جوياً روسياً.
وكان الرئيس التركي أرفق الأسبوع الماضي رسالة مع المساعدات الطبية التي قدمتها بلاده إلى الولايات المتحدة، بدأها بعبارة “السيد الرئيس، صديقي العزيز”.
وشدّد أردوغان على أهمية التعاون في مواجهة التحديات التي تسبب بها وباء كورونا في تركيا والولايات المتحدة والعالم أجمع. وأضاف: “كونوا على ثقة بأن بلادي ستواصل كافة أشكال التضامن باعتبارها شريكاً موثوقاً وقوياً للولايات المتحدة، سواء من حيث تلبية الاحتياجات الأساسية في ظل الوباء أو في مرحلة العودة إلى الحياة الطبيعية”.
وهذه البادرة تندرج في إطار علمية تقارب مع الولايات المتحدة في حين “ألقى” أردوغان “بكل ثقله وراء ترامب” الذي يسعى للترشّح لولاية ثانية في تشرين الثاني/نوفمبر، بحسب الباحث غونول تول مدير البرنامج التركي في “ميدل إيست إنستيتيوت”. وأضاف تول: “لكنّ مشكلة تركيا مع الولايات المتحدة عميقة جداً لتسويتها بحملة العلاقات العامة هذه”.
مصر قادرة على تقديم المساعدة الخارجية
أرسلت القاهرة في 21 أبريل الماضي، طائرة عسكرية محملة بكميات كبيرة من المساعدات الطبية والبدل الواقية المقدمة إلى الولايات المتحدة، فيما قالت الرئاسة المصرية إن المساعدات “تمت بتوجيه رئاسي في إطار التضامن والعلاقات التاريخية التي تجمع بين الدولتين الصديقتين في أوقات المحن والأزمات”.
هل تضر هذه المساعدات بصورة الولايات المتحدة؟
المرة الأخيرة التي تلقت فيها الولايات المتحدة هذا الكمّ من المساعدات الدولية يعود إلى الإعصار كاترينا في 2005. ويومها قبلت إدارة جورج دبليو بوش المساعدات من كل أنحاء العالم دون اعتبارات سياسية، باستثناء الموافقة على استقبال أطباء أتوا من كوبا.
وبحسب نيكولاس كال، من المدهش أن نلاحظ “قلة اهتمام” الأمريكيين بالمساعدة التي ترسلها واشنطن إلى الخارج، وهم يعارضون تقديم أي مساعدة خلال هذه الأزمة.
وتعهّدت الولايات المتحدة تقديم مساعدات إلى الخارج بقيمة 775 مليون دولار لمكافحة فيروس كورونا المستجد، بحسب الخارجية الأمريكية. لكنّ ترامب أعلن أيضاً تعليق التمويل الأمريكي لمنظمة الصحة العالمية بعدما اتّهمها بالتحيّز للصين.
ويرى كال، أنّ شعار ترامب “أمريكا أولاً” المرفق بمشاهد مأساوية في البلاد بسبب وباء كوفيد-19 قد يضرّ على المدى الطويل بصورة الولايات المتحدة.