أشهر الأكاذيب في كل العصور: كائنات حية على القمر.. وهجوم فضائي على الأرض ومعاهدة سلام مزورة
الأمر ليس مسلياً على الإطلاق. فالأخبار الزائفة ليست أمراً يدعو للسخرية على الدوام، فقد تتسبب في كوارث، وفي سقوط مئات الآلاف من الضحايا.
ويبدو ازدهار الإنترنت ضاعف سرعة انتشار الأخبار الزائفة، إذ إنه من الواضح أن نشر الأخبار الكاذبة وتناقلها يتطور بسرعة أكبر بكثير من سرعة القدرة على التحقق منها، أو تكذيبها.
في هذا التقرير نستعرض بعضاً من أكثر وأغرب الأكاذيب انتشاراً وتأثيراً عبر التاريخ حتى وقتنا الحالي.
العصور الوسطى: روما هدية من الإمبراطور للكنيسة الكاثوليكية
في القرون الوسطى، ادعت الكنيسة الكاثوليكية -التي تنامت سطوتها آنذاك- وجود وثيقة تعود للقرن الرابع الميلادي، تفيد بأن الإمبراطور الروماني قسطنطين الذي أسس مدينة القسطنطينية (إسطنبول حالياً) وجعلها عاصمة بدلاً من روما، قد وهب في القرن الرابع الميلادي للبابا سلفتستر الأول كلا من روما والقسم الغربي من الإمبراطورية الرومانية، وكذلك السلطة عليهما، بعد أن شفي البابا الإمبراطور من مرض الجذام.
واستخدمت البابوية هذه المنحة في منازعة الدول على سلطاتها حتى اكتُشف زيف الوثيقة في القرن الخامس عشر، بعد أن تبين أنها تحوي كلمات لم تكن تستخدم في عهد قسطنطين، إلا أن بعض الناس واصلوا تصديق أنها صحيحة.
عصر النهضة: اليهود يشربون دماء الأطفال
لقد قتلوا الطفل سومينو الذي يبلغ من العمر عامين ونصف العام ثم شربوا دماءه، أحداث عنيفة عصفت بإيطاليا في عام 1475 جراء هذه الواقعة.
اختفى سومينو فألقى واعظ من الفرنسيسكان يُدعى برناردينو دا فلتر سلسلة من الخطب، ألهبت الناس، تدعي بأن يهوداً خطفوا الطفل وقتلوه ليشربوا دماءه للاحتفال بعيد الفصح، ثم ادعى أن جثته وجدت بقبو منزل يهودي.
كانت هذه الشائعة كافية لارتكاب عدد من الفظائع ضد المجتمع اليهودي بأمر من Johannes IV Hinderbach، الأمير الأسقف لترينت، الذي أمر باعتقال وتعذيب كل المجتمع اليهودي في المنطقة، وأدين 15 منهم وأحرقوا، كما مهدت الأحداث لوقوع مذابح مشابهة بالمجتمعات المحيطة.
وتدخل البابا لوقف الأمر، ولكن الأمير رفض الاستجابة وواصل نشر الشائعة، وتجاوب معه الرأي العام بشكل لم يمكن البابا من التدخل.
ويعتقد أن أصول هذه الشائعات تعود إلى فترة ما قبل المسيحية، فأول نموذج معروف لهذه الشائعات منسوب للفيلسوف الإغريقي ديموقريطس، الذي روج أن اليهود يختطفون كل فترة غريباً للتضحية بدمائه في معبد بالقدس.
وكررت الدعاية النازية هذه الشائعات، فأدعوا وجود طقوس يهودية لشرب دماء الأطفال.
عصر التنوير: الأب البروتستانتي الذي قتل ابنه
على عكس ما هو متوقع، أدى اختراع الطباعة في قرونها الأولى لتدفق هائل للأخبار المزيفة، قبل أن تظهر تدريجياً المعايير والقيم الصحفية.
تداخل ذلك مع بقايا خرافات العصور الوسطى، التي كانت اكتسبت وسيلة جديدة لتنقل إلى عقول الناس.
كان الفيلسوف الفرنسي فولتير أحد المكافحين ضد الشائعات والتفسيرات الأسطورية الدينية للكوارث، ولكن حادثة بعينها استندت لشائعة ذات بعد ديني حركت عبثيتها وقسوتها فولتير، فكتب عنها بغضب.
ففي القرن الثامن عشر، عام 1761، ادَّعى ناشطون كاثوليك، أن التاجر البروتستاتني جان كالاس قَتَل ابنه لرغبته في التحول للكاثوليكية، واكتسبت الشائعات مع الوقت مصداقية، لكن في الحقيقة كان مارك أنطوان كالاس ذو 22 عاماً قد انتحر.
إلا أن والد مارك عذب علنا بعد إدانته وتم إعدامه. وكتب فولتير عن الواقعة مندداً بالعبثية التي جرت بها الشائعة منذ بدايتها والقضاء الظالم.
الثورة الأميركية العظيمة: الهنود الحمر يسلخون رؤوس الأعداء
استمرت مسيرة التقدم العلمي، وتوالت ثورات التحرر، ولكن أيضاً زاد انزلاق البشر في ترويج الشائعات والأكاذيب.
فالسياسي والفيلسوف الأميركي بن فرانكلين، أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، الذي ساهم في نيلها الاستقلال وازدهارها الثقافي نشَرَ شائعات حول الهنود الحمر القتلة الذين يسلخون الرؤوس، ويعملون جنباً إلى جنب مع الملك البريطاني آنذاك جورج الثالث، وهي الشائعات التي ظلت دوماً تطارد الهنود الحمر، وتقدم ذريعة للتحريض عليهم.
ويبدو أن الثورة الأميركية العظيمة التي دعت للحرية والاستقلال والمساواة استفادت من أخبار كاذبة أخرى، إذ روّج قادتها أيضاً أن الملك جورج الثالث جلب جنوداً أجانب لقتل الثوار الأميركيين، وذلك لجذب مزيد من المتطوعين.
السلام مع نابليون: رسالة مزيفة تُحقق أرباحاً للمضاربين
“لقد حلَّ النزاع مع فرنسا ودياً” هكذا أخبرت الرسالة “المزيفة” السير تشارلز برايس عمدة لندن، في مايو/أيار 1803، الذي كانت تستعد بلده آنذاك لإعلان الحرب على فرنسا وإنهاء معاهدة أميان، التي وقعت قبل عام لوقف الأعمال العدائية بين بريطانيا والجمهورية الفرنسية.
وخُتمت الرسالة بالختم الشخصي للورد هوكسبور وزير الخارجية آنذاك، فما كان من برايس إلا أن نقل الخبر إلى البورصة حتى تعم الأخبار السعيدة، إلا أنه بعد التحريات ثبت أن الرسالة مزيفة، لكن بعد أن فات الأوان؛ فقد ارتفعت قيم أسهم البورصة بنسبة 5%، ومع تصحيح الخبر كانت الأسهم قد تداولها بقيمتها المرتفعة، نتيجة النبأ الكاذب، وجرت محاولة من قبل لجنة سوق المال لمعرفة من استفاد من هذا الخبر، لكنها لم تفلح.
الثورة الصناعية: اكتشفوا حياة على القمر
في عام 1835 نشرت نيويورك صن أخباراً عن اكتشاف حياة على سطح القمر، وزعمت الجريدة أن السير جون هرتشل، عالم الفلك المشهور آنذاك كشف عن وجود حياة وحيوانات وسكان على القمر، بواسطة مكبرات هيدروأوكسجينية.
إلا أنه بعد شهر من إضافة مشتركين جدد للصحفية، أعلنت أن الأمر ما هو إلا محض خدعة، هدفها زيادة عدد قرائها لا أكثر!
القرن العشرين: الألمان يصنعون الصابون من الجثث
خلال الحرب العالمية الأولى، نشرت صحيفتا التايمز والديلي ميل البريطانيتان عام 1917 أخباراً مجهولة المصدر، عن مصنع في ألمانيا يستخرج مادة الجليسرين من جثث القتلى، ويستخدمها في صناعة الصابون والسمن.
القصة كان مصدرها جهاز المخابرات البريطاني، الذي وظف 13 ضابطاً و25 كاتباً مدفوع الأجر لنشر هذه الأخبار الكاذبة في الصحافة.
الخبر كان له أصل في الصحافة الألمانية، يشير إلى استخدام جثث الحيوانات كالخيول في صناعة الصابون، ولكن تم تحويره ليصبح استخدام الألمان لجثث البشر.
القصة المزيفة كان لها هدف محدد، إذ كانت بريطانيا في ذلك الوقت تحاول إدخال الصين في الحرب إلى جانب الحلفاء، والشعب الصيني يقدس الموتى. وبالفعل أعلنت بكين الحرب ضد ألمانيا.
وفِي عام 1925، اعترف عضو البرلمان المحافظ جون شارترس -الذي شغل منصب رئيس المخابرات- أثناء قيامه بجولة في المحاضرات في الولايات المتحدة، بأنه قد اختلق القصة ونشرها في صحيفة صينية.
عصر الإذاعة: الأرض تتعرض لغزو فضائي الآن
يوم الأحد، آخر أيام شهر أكتوبر عام 1938، نجحت شبكة إذاعية في كولومبيا في نشر الذعر، بعد أن بثت فصولاً من رواية حرب العوالم لويلز على هيئة سلسلة من الأخبار العاجلة، بدأتها بإيقاف للبرامج العادية والإعلان عن حدوث مجموعة من الانفجارات الغازية على المريخ، ومقتل 15 ألف شخص إثر سقوط نيزك في ولاية نيوجيرسي الأميركية.
لم يكتف القائمون بالإذاعة بذلك، فقد فقالوا إنه كان جسماً أسطوانياً يحمل مخلوقات مريخية غريبة مسلحة بالبنادق وأشعة الموت؛ ما تسبب في ذعر المستمعين، فقد بدا البث واقعياً حتى إن المستشفيات وقطاعات الشرطة والنجدة والبحرية تأهَّبت لمواجهة الهجوم الوشيك.
القرن الحادي والعشرون: الأكاذيب التي انتهت باحتلال العراق
في بداية الألفية تابع العالم وزير الخارجية الأميركي آنذاك كولين باول، وهو يقدم أمام مجلـس الأمـن “أدلة” ضد نظام صدام: تشمل برامج أسلحة الدمار، “معامل” متنقلة للأسلحة البيولوجية والكيماوية، ومعسكرات تدريب لعناصر “القاعدة”.
وتبين تباعاً كذب هذه الادعاءات، فبعض الأدلة جاءت من شهادة منفي عراقي في ألمانيا، وقد ظهر بعد ذلك أن كلامه غير صحيح، عندما اعترف لصحيفة الغارديانالبريطانية أنه فخور بأنه خدع الولايات المتحدة وحلفاءها لشنّ حرب ضد العراق، للتخلص من نظام حكم صدام حسين.
وقامت الولايات المتحدة بغزو العراق رغم إبلاغ محمد البرادعي، المدير العام لوكالة الطاقة الذرية الدولية آنذاك، مجلس الأمن الدولي أن الوثائق الخاصة بصفقة اليورانيوم بين العراق والنيجر كلها كاذبة.
عصر تويتر وفيسبوك: قصة أقوى رجل في العالم مع الأخبار الزائفة
لم تمنع ثورة الإنترنت وديمقراطية إعلام السوشيال ميديا من انتشار الأخبار الكاذبة، بداية من أخبار عن مسامحة بابا فرانسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية بأستراليا 4444 قسيساً متحرشاً بالأطفال، مروراً باتهامات طالت هيلاري كلينتون بتدمير بطاقات اقتراع خاصة بترامب، علاوة على أخبار كاذبة عن تأجير ميلانيا ترامب لمشعوذ لطرد شياطين أوباما من البيت الأبيض.
الرئيس الأميركي دونالد ترامب اشتهر بجملته الشهيرة التي يهاجم فيها الإعلام، مردداً مقولته الشهيرة (fake news) أخبار زائفة، حتى إنه تم إحصاء أن ترامب وجَّه هذا الاتهام للإعلام 66 مرة على تويتر.
ولكن في المقابل يتهم ترامب بأنه يروج أخباراً زائفة، وأحصى موقع TheWrapعشر حالات قال إن ترامب روَّج فيها لأخبار زائفة، ليدخل ترامب التاريخ كواحد من أشهر الرؤساء تراشقاً مع الصحافة، كما تتهم روسيا تحت قيادة فلاديمير بوتين بالترويج للأخبار الزائفة.