أزمة بجامعات الأردن.. تخرج طالب قطري بثمانية أشهر وبكالوريوس لسكرتيرة لم تطأ قدمها الجامعة
صعب جدا وفي وقت مبكر فهم الأسباب التي دفعت وزير التعليم العالي الأردني، للإدلاء بتصريح في غاية الإثارة، يفتح المجال أمام سيناريوهات وتكهنات لها علاقة بما يجري في مؤسسات التعليم العالي الوطنية، أكثر مما يساعد كالعادة في احتواء الجدل الذي أثاره حول تصنيف واعتماد جامعات الأردن بقرار كويتي أعقبه آخر قطري الأسبوع الماضي.
البروفيسور الدكتور وليد المعاني شخصية وطنية متزنة جدا سياسيا ولا يمكنها الحديث عن جريمة أكاديمية محلية دون أسباب أو أوراق يحتفظ بها.
صعد المعاني بملف التعليم العالي إلى أقصى مساحات الإثارة، وهو يعلن عبر إحدى الإذاعات المحلية بأن أحد المواطنين القطريين تمكن من التخرج من جامعة اردنية، خلال ثمانية أشهر فقط.
لافت جدا للنظر أن الوزير المحنك والمخضرم، ألقى عبارته المثيرة ولم يشرحها ولم يبلغ الرأي العام بأنه وانطلاقا من صلاحياته الدستورية قد أخضع هذه الحادثة أصلا للتحقيق.
لا يتجه وزير ثقيل من حجم المعاني إلى مثل هذا الإقرار العلني الذي يؤدي عمليا لفضح بعض ما يجري من مافيات الجامعات المحلية إلا لسبب سياسي وجيه أغلب التقدير أنه سبب له علاقة بضوء أخضر من الوزير نفسه وجهات أعلى منه لفتح ملف الفساد في مؤسسات التعليم العالي.
يعلم المعاني بأن حادثة جزئية من هذا النوع يمكن أن تبرر للحكومتين الكويتية والقطرية تماما قرارهما باقتصار الاعتماد الرسمي قبل أيام لجامعات الأردن على خمس جامعات بالنسبة للكويت، وست بالنسبة لقطر.
ويعلم أيضا ج-وقد يكون هذا الأهم- بأن الإقرار بمخالفة من هذا الحجم ستؤدي إلى دحرجة ملف التعليم العالي في الواقع السياسي والأكاديمي الأردني وعبر منصات التواصل الاجتماعي كما يحصل في العادة.
وقد تدحرجت المسألة فعلا، فمنصات التواصل ما كادت تنتهي من قضية وجدل “مليون بيضة فاسدة مجهولة المكان” حتى تحول الأردنيون بالمئات على المنابر الإلكترونية إلى خبراء في التعليم العالي يشتبكون مع التفاصيل وينشرون قصصا عن فساد القطاع.
على المنابر والمنصات بدأ الخيال الاجتماعي ينسج القصص والحكايات مرة عن جامعة منحت درجة الماجستير لفتاة تقيم في أفغانستان، وعن أخرى تمتحن طلبة دول الخليج الغنية في قاعات مكيفة بعمان العاصمة رغم ان مقرها الرئيسي جنوبي المملكة.
وبرزت قصص تداولها الناس من هذا الطراز من بينها سكرتيرة محظوظة ومدعومة حصلت على درجة البكالوريوس دون زيارة واحدة للجامعة.
ومن بينها أيضا تدخل أطقم سفارات دول خليجية مثل السعودية والكويت مع الأساتذة لضمان نجاح وعلامات طلبتهم. بكل حال ما لحق بالقرارين الكويتي والقطري “خدش” بوضوح سمعة التعليم العالي في الأردن.
الغريب جدا أن رموز الحكومة والسلطة يتفاعلون مع هذا الخدش ولا يدافعون عن سيرة وسمعة المؤسسات في الوقت الذي يصنف فيه الاستثمار في قطاع التعليم العالي بالعادة ضمن ملفات الحيتان ومراكز القوى والنفوذ خصوصا مع وجود عدد كبير من الجامعات الخاصة والحكومية لا يتناسب في الواقع مع حاجات السوق ومتطلبات واحتياجات أسواق العمل مستقبلا.
بكل حال ثمة ما يوحي في المشهد بيروقراطيا على الأقل بأن محاولة الدفع بملف التعليم العالي وما يجري فيه من فظائع ومخالفات أكاديمية بالجملة، مسألة تحظى فيما يبدو بإرادة سياسية محتملة، الأمر الذي يفسر العبارة التي قالها وزير التعليم العالي المخضرم، والمعروف بأنه لا يحب الأضواء وينتقي مفرداته بدقة.
ثمة ما يوحي في السياق نفسه بأن رئيس الوزراء عمر الرزاز قد يدعم الشغف المتعلق بالاشتباك مع مراكز القوى التي تتحكم بالمسيرة الجامعية، خصوصا مع الإقرار منذ أشهر أو أسابيع قليلة بحصول تدخلات امنية سلبية في تشكيل مجالس أمناء الجامعات، انسجمت مع مصالح فردية لأشخاص وأفراد وبصورة تسيء لسمعة البلاد الاكاديمية.
يصدر مثل هذا الجدل للسطح بعد أحداث قريبة في الذاكرة الاجتماعية من الصعب تجاهلها أهمها صمت الحكومة والسلطات بعد طرد رئيس جامعة من قبل موظفين ومن بينها مشاجرات بالجملة تخللها استخدام أسلحة نارية في حرم الجامعات خلافا لظهور الاحتقانات العشائرية والهويات الفرعية والتشنجات العنيفة في عدة حالات داخل جامعات في القطاعين العام والخاص.
هذه مشكلات سبق أن أعجزت عدة وزراء سابقين للتعليم العالي، وأدت إلى خفض تصنيف جامعات عريقة تفاقمت مشكلاتها مع أزمة المديونية على المؤسسات الجامعية.
وهي مشكلات من السهل أن تصعد مجددا الى الواجهة وتتدحرج وسط المجتمع والنخب والمؤسسات بعد تصريح الوزير المعاني الغامض من حيث دوافعه والذي ينطوي بطبيعة الحال على إدانة “ذاتية” نادرة تقر بحصول أخطاء فادحة وممارسات غير قانونية مضادة للعلم والاكاديمية في مؤسسات تعليمية محلية.
وهي إدانة من اللافت جدا أنها تتصاعد بعد القرار الكويتي القطري بخفض عدد الجامعات المعترف بها في الأردن، والذي من الصعب تفسيره في ظل الإقرار بالأخطاء والقصور الداخلي وفي ظل الإخفاق بدوافع سياسية من أي نوع.