أردوغان.. بين “النفط القبرصي” والسير على ألغام إقليمية
“لن تقوم روسيا بأي خطوة بصورة منفصلة عن إسرائيل وعن القوى اليهودية في الولايات المتحدة”، حذر كاتب العمود التركي يوسف كابلان في مقال نشره في صحيفة “ييني شفق” المقربة من الرئيس أردوغان. “علينا الحذر من الأفخاخ الروسية التي سيتم نصبها تحت توجيهات بارونات الطريقة العالمية (اليهود).. لأن روسيا مدينة لوجودها في الشرق الأوسط للقوى اليهودية”.
وبحسب صحيفة “هآرتس” العبرية، التحذيرات من مؤامرات يهودية ليست رواية جديدة في كتابات كابلان. في السابق حذر من “تحالف عربي إسرائيلي هدفه عزل تركيا”، من خلال أخذه الإلهام من تصريحات أردوغان الذي اعتاد اتهام مافيا الربا بالصعوبات الاقتصادية لتركيا. ومن الواضح من كان يقصد من دون ذكر اسمه. إن أجنحة المافيا هذه قصها أردوغان مؤخراً عندما قام بخطوة غير مسبوقة بإقالة محافظ البنك المركزي، مراد تشتنكايا، لأنه رفض خفض نسبة الفائدة.
ولكن إزالة العقبة الأخيرة أمام سعي أردوغان لإنقاذ الاقتصاد التركي، يمكن أن يكون لها تداعيات خطيرة أبعد من هبوط الليرة التركية. لأردوغان وصهره، برات البيرق، الذي جرى تعيينه وزيراً للاقتصاد والمالية، إستراتيجية اقتصادية أصيلة تقول إن خفض الفائدة سيؤدي إلى نمو الاقتصاد، مواطنون ومستثمرون يمكنهم الحصول على قروض أرخص وإقامة مشاريع وبناء وحدات سكنية. وبهذا ستتجدد المعجزة الاقتصادية التي خلقها أردوغان قبل 16 سنة عندما جرى انتخابه لرئاسة الحكومة.
مع ذلك، ليس هناك أي تأكيد على أن الحلم سيتحقق. المستثمرون لا يسارعون إلى المجيء إلى تركيا، بيع العقارات انخفض وشركة تصنيف الائتمان “بيتش” خفضت تصنيف الدولة. المستثمرون ومؤسسات الأموال الدولية يخافون من أن سحب استقلال البنك المركزي، وإخضاعه لأردوغان بواسطة المحافظ الجديد الذي تم تعيينه، من شأنه أن يهز اقتصاد تركيا أكثر، ويزيد البطالة، ويضعضع الليرة التركية بصورة تصعب على المقترضين الأتراك بالعملة الأجنبية من تسديد قروضهم. تركيا بحاجة إلى انعطافة اقتصادية إيجابية تهدئ الجمهور وتعيد الثقة بنظام أردوغان، الذي تلقى ضربة شديدة عندما هزم في الانتخابات المعادة لبلدية إسطنبول.
يبدو أن أردوغان اختار السير في حقل ألغام خطير يلقي عليه وعلى بلاده ضربات مؤلمة. مثلاً، قراره شراء أنظمة صواريخ مضادة للطائرات، روسية من نوع إس 400، من شأنه أن يجر عقوبات أمريكية مثل طرد تركيا من مشروع إنتاج طائرات اف 35 الذي يمكنه أن يدخل مليارات الدولارات لخزينة الدولة (إلى جانب وقف بيع الطائرة لتركيا). الرئيس الأمريكي ترامب لا يأمل فرض عقوبات كبيرة على تركيا بسبب شراء الصواريخ، لكن يمكن للكونغرس أن يلوي ذراعه.
حتى إذا فرضت عقوبات رمزية مثل تقييد تأشيرات الدخول لشخصيات كبيرة إلى الولايات المتحدة، سيكون ذلك رسالة رادعة لمن يريد عقد الصفقات مع تركيا.
هذا الأسبوع تلقت تركيا وجبة أخرى من العقوبات من قبل الاتحاد الأوروبي، الذي طلب من تركيا التوقف عن التنقيب عن الغاز في المياه الإقليمية لقبرص. هذه العقوبات تشمل ضمن أمور أخرى تجميد 146 مليون يورو مخصصة لمساعدة تركيا في استقرار اقتصادها قبل دخولها إلى الاتحاد، ووقف المحادثات بشأن اتفاقات الطيران، وإعادة فحص القروض التي يمكن لتركيا الحصول عليها من بنك التطوير الأوروبي بمبلغ 386 مليون دولار.
وزير الخارجية التركي سارع إلى التصريح بأن تركيا لا تنظر إلى هذه العقوبات بجدية؛ لأن “أوروبا محتاجة لنا وليس بمقدورها أن تطبق هذه العقوبات”. ولكن سلة العقوبات الأوروبية ما زالت مليئة ويمكن أن تؤلم أكثر. تركيا تستخدم حالياً منصتين للتنقيب في المنطقة التي تعتبرها “مياهاً اقتصادية لقبرص التركية”. ووزير الخارجية التركي بشّر بمنصة أخرى وحتى منصة رابعة ستصل قريباً إلى مواقع الحفر.
هذه المنصات ترافقها سفن دورية تركية هدفها الدفاع عنها من هجوم محتمل. بقبرص التركية فقط تعترف تركيا. وحسب سياسة الاتحاد الأوروبي، فإن توزيع الموارد بين شطري قبرص سيتم عندما يتحقق الاتحاد بينهما والجزيرة كلها تتحول إلى دولة واحدة تحت طريقة حكم متفق عليها. في هذه الأثناء، لا يظهر في الأفق حل سياسي للشرخ بين شطري الجزيرة، التي احتلت تركيا شطرها الشمالي في 1974. تركيا تقول إنة لها حقاً كاملاً في الحفر، لأن الغاز يوجد في المنطقة اليابسة الخاضعة لها خلافاً لتعريف الاتحاد الأوروبي.
الخوف هو أن الخلاف السياسي القابل للانفجار والذي تعارض فيه الولايات المتحدة النشاط التركي، سيتطور إلى مواجهة عنيفة ستؤثر على كل نظام للتنقيب عن النفط في شرق البحر المتوسط. هكذا يلقي أردوغان على أكتاف تركيا نزاعاً إقليمياً جديداً، يضاف إلى العلاقة المتوترة مع إسرائيل والشرخ بينها وبين مصر والسعودية، وتعزز علاقتها مع روسيا، ويعرض الدولة كتهديد يفضل على المستثمرين ورجال الأعمال الابتعاد عنه. ولكن يبدو أن أردوغان غير متأثر من عزلة بلاده. أوروبا، حسب رأيه، نمر من ورق، وترامب يربت على كتفه، وقبرص واليونان ليستا قوى وازنة ضد الجيش التركي، والمافيا اليهودية ستحطمها.