أردنية تخلت عن الإسلام واعتنقت اليهودية وانضمت للموساد من أجل حبيبها موشيه بيراد
ربما راودنا في طفولتنا شغف بقصص الجواسيس وارتبطنا بها كجيمس بوند مثلاً، لكننا لم نكن نعرف أن حياة الجواسيس مليئة بتفاصيل وأحداث ربما تكون مشينة وليست مدعاة للانبهار، بطلة قصتنا اليوم سيدة من أصل أردني دوافعها في الجاسوسية كانت مختلفة، فلم يكن المال وراء سعي أمينة المفتي للانخراط في صفوف الموساد الإسرائيلي ولكن كان انتقاماً لحب حياتها، زوجها موشيه بيراد.
أمينة المفتي
عاشت أمينة أول قصة حب في حياتها مع حبيبها الفلسطيني بسام، لكنها كانت شرقية حادة الطباع فتخلى عنها ولم يكتب لحياتهما معاً النور، تعرضت أمينة لصدمة أثرت على تحصيلها الدراسي فقرر والدها إرسالها إلى النمسا لاستكمال دراستها، وفي فيينا كانت البداية.
جمعت أمينة بين الذكاء والجمال، لكنها مع ذلك كان لديها رغبة جامحة في التحرر من قيود العائلة المحافظة التي كبلتها في الأردن، عاشت حياة بطابع أوروبي حتى تخرجت بدرجة البكالوريوس من علم النفس الطبي.
هناك وقعت في حب طيار نمساوي من أصل يهودي، وكان شقيقاً لصديقتها، ساعدها موشيه بيراد في الحصول على شهادة دكتوراه مزورة من جامعة فيينا، عاشت أمينة وصديقها الجديد قصة حب طويلة إلى أن صرحت له بحبها له فكان شرطه الوحيد للزواج، أن تتخلى عن ديانتها الإسلامية وتعتنق اليهودية.
دين جديد وبداية جديدة
وافقت أمينة على الشرط وفي فيينا كانت محطة التغيير في كل شيء، من أمينة إلى آني تغير اسمها ومحل إقامتها الذي اتخذت من إسرائيل مكاناً لها، خوفاً من ملاحقة أفراد عائلتها لها ممن سيعتبرون أنها تخلت عن عروبتها ودينها وأن ذلك وصمة عار في حياة أسرة عربية مسلمة.
وفي معبد شيمودت اعتنقت أمينة المفتي اليهودية، وتزوجت من موشيه زواجاً محرماً وأصبحت آني موشيه براد
نكسة 67 والتحول الكبير
تزامنت هذه الفترة مع مرحلة ما بين نكسة 1967 وحرب أكتوبر 1973، وهي مرحلة شهدت بزوغ نجم منظمة التحرير الفلسطينية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، أنشأت المنظمة قواعدها في لبنان بعد طردها من الأردن بعد أحداث (أيلول الأسود)، ومع تواتر الأحداث في هذه الفترة انضم موشي إلى الجيش الإسرائيلي كطيار في سلاح الجو وهنا كانت نقطة تحول أخرى في حياة أمينة.
موت موشيه في سوريا..
تمكنت مدفعية مضادة تابعة للجيش العربي السوري من إسقاط طائرة كان يقودها موشيه، وفي مطلع العام 1973 يبلغ الجيش الإسرائيلي آني أن زوجها أصبح في عداد المفقودين.
لم تستسلم آني لكون زوجها وحبيبها قد يكون وقع في الأسر، خاصة بعد أن تلقت معلومات من الجيش الإسرائيلي بأنه من المحتمل أن تكون قد تحفظت عليه إحدى الفصائل المنشقة عن منظمة التحرير للمساومة عليه بمبادلة أسرى وأنه ينبغي أن يوجد من يتتبع أخباره فأصرت على القيام بهذه المهمة بنفسها.
سمحت لها السلطات بمغادرة تل أبيب إلى فيينا بجواز سفرها الإسرائيلي، والسفر إلى بيروت من هناك بجنسيتها الأردنية.
الانتقام لموشيه
فشلت المفتي في العثور على زوجها، فجن جنونها وشعرت أنها فقدت كل شيء في لمح البصر فقررت الانتقام وصبت جام غضبها على العرب الذين أرهقوها في الأردن، وطاردوها في النمسا، وضيعوا حلمها في الاستقرار بإسرائيل.
عادت أمينة إلى لبنان وفي شارع الحمراء –أشهر شوارع بيروت- نزلت بأحد الفنادق. وفي رحلة تجوالها تعرفت على سيدة لبنانية -أردنية الأصل- تدعى خديجة زهران، تمتلك وتدير محلاً للملابس الجاهزة، فاشترت منها ملابس بمبلغ كبير لتتقرب إليها، ودلتها خديجة على شقة صغيرة بحي عين الرمانة، انطلقت منها للبحث عن زوجها، ولتستطيع الحصول على أخباره من الفلسطينيين ذوي الكثافة بالحي. وبعد رحلات عديدة بين بيروت ودمشق، فشلت أمينة في الوصول إلى ما يطمئنها، وتأكد لديها أن موشيه قتل لا محالة. وغادرت بيروت إلى فيينا تنخر بعقلها أحزان تقترب بها إلى حافة الجنون، وتخنقها عبارات الأسى والغربة، والفزع.
بعد فترة استدعتها السلطة الإسرائيلية إلى فيينا مع 3 إسرائيليين مهمتهم إنهاء إجراءات الإرث الخاص بها، دون إثارة مشاكل مع أسرة زوجها أو الجهات الرسمية سواء في النمسا، أو في إسرائيل.
كان ميراثها وحدها مع التعويض يربو على النصف مليون دولار، مع الشقة الرائعة في ريشون لتسيون، وضمانات حماية وأمن فوق استثنائية.
كان المطلوب منها أن تتعاون معهم لقاء ذلك، وتنفذ ما سيطلب منها بلا تردد فأمينة كنز ثمين، هي المرأة العربية التي فقدت وطنها وأهلها، وتعيش في وضع نفسي سيئ مليء بالخوف، ولا مأوى لها سوى في إسرائيل. لكل تلك العوامل كان لا بد من استغلالها واستقطابها، بقليل من بث الكراهية في نفسها لهؤلاء العرب الذين قتلوا زوجها وقد كان يمثل لها الأمن والحماية، وبالضرورة هي بحاجة ماسة إلى الأمن والحماية من بعده.
كيف تتقفى أثر موشيه..
لمدة شهر وأربعة أيام في فيينا علموها كيف تكتب الرسائل بالحبر السري، وتظهر الرسائل الواردة منهم، وأساليب التشفير والتصوير، وتلقط الأخبار والالتزام بالحس الأمني، وتحميض الأفلام والهرب من المراقبة، والتمييز بين الأسلحة وأساليب إثارة المتحدث ليفشي أسراره. واستقدموا لها من إسرائيل أحد الضباط المتخصصين في تقوية الذاكرة وتخزين المعلومات والأرقام والأسماء والصور.
غادرت فيينا إلى بيروت هذه المرة.. لا للبحث عن زوجها، وإنما للانتقام له، مهمتها المحددة تقصي أخبار رجال المنظمات الفلسطينية، ورجال المقاومة الذين يؤرقون أمن إسرائيل، ويحيلون ليلها إلى نهار لشدة القصف.
مانويل عساف.. موظف الاتصالات
وفي بيروت، استأجرت شقة بإحدى بنايات الروشة، وعلى بعد خطوات منها يقع مقهى الدولشي فيتا أشهر مقاهي بيروت، حيث المكان المفضل للفنانيين والمثقفينوالجواسيس والسياح. كان الشيء الوحيد الذي يضايقها، هو انقطاع الحرارة عن التليفون، لذلك.. زارت صديقتها الأردنية خديجة زهران، وطلبت منها المساعدة.
اتصلت خديجة بمانويل عساف موظف التليفونات، الذي ذهب بنفسه الى أمينة في اليوم التالي، ليؤكد لها أن المنطقة تعاني من بعض الأعطال بسبب تجديدات بالشبكة، ووعدها بأنه سيسعى في القريب للتوصل إلى حل. منحته خمسين ليرة ليهتم بالأمر، ولكي لا ينسى.. منحته جسدها أيضاً. إذ وجدت فيه صيداً سهلاً تستطيع من خلاله التوصل لتليفونات وعناوين القادة الفلسطينيين.
مارون الحايك
صدمت أمينة بشدة عندما تبين لها أن مانويل لا يملك ما تريده، فهو مجرد موظف صغير لا يملك قراراً. حاول مانويل عساف الوفاء بوعده لتتوطد علاقته بها، لكنه لم يستطع لأن رئيسه في العمل –مارون الحايك– بيده كل شيء. لذلك.. صارحه بما حدث، واصطحبه إلى شقة أمينة.
كان مارون الحايك متعدد العلاقات النسائية، يسعى خلف نزواته ومغامراته، منشغلاً بالتجسس على المحادثات التليفونية بين نساء المدينة، تستهويه لعبة المطاردة والبحث عن صيد جديد. وبغريزة الأنثى التي لا تخيب، أيقنت أمينة ما بنفسه، واثقة من كنز معلوماته عن الزعماء الفلسطينيين في بيروت. أطلعها بعد عدة لقاءات على التليفونات السرية للمنظمات الفلسطينية، ولزعماء الجبهات وعناوين إقامتهم بحي الريحانة الشهير.
وبواسطة صندوق بريد ميت، صبت أمينة كل ما تفوه به مارون في خطاب من عدة صفحات، تسلمه عملاء الموساد في بيروت. لتجيئها الأوامر بعد ذلك بالتحرك دون انتظار. فالمطلوب منها هو الحصول على القوائم السرية لرجال المخابرات الفلسطينية في أوروبا وصفاتهم. ولن يتاح لها ذلك إلا من خلال مكتب منظمة التحرير الفلسطينية مكتب ياسر عرفات شخصياً، أو مكتب رئيس جهاز المخابرات علي حسن سلامة المطارد في كل مكان في العالم، والذي أطلقت عليه غولدا مائير لقب «الأمير الأحمر»، لأنه بطل عملية ميونيخ التي قتل فيها أحد عشر إسرائيلياً.
ولأن المخابرات الإسرائيلية كانت تجهل صورته أو ملامحه، وفشلت كثيراً في كشف أثره لاغتياله، ولذلك كانت مهمة المفتي صعبة للغاية في العثور على «الأمير الأحمر».
البحث عن «الأمير الأحمر»..
انطلقت المفتي إلى وجهتها الجديدة، انتقلت إلى شقة أخرى بكورنيش المزرعة، وهي منطقة شعبية يرتادها التجار من قاطني المخيمات الفلسطينية في بيروت. وللوهلة الأولى.. أحست بتفاؤل كبير، بعدما تعرفت على ممرضة فلسطينية بمخيم صبرا. قدمتها شميسة الممرضة، إلى مدير العيادة، الذي أوضح لها أن العديد من الأطباء من كل دول العالم، يشاركون في علاج الفلسطينيين كمتطوعين. فعرضت عليه خدماتها التطوعية، وأطلعته على شهاداتها المزورة فطلب منها الانتظار لعدة أيام ريثما يخبر رؤساءه. هؤلاء المتطوعون في شتى المؤسسات الفلسطينية، يقابلهم ياسر عرفات، ويستعرض معهم المخيمات وملاجئ الأيتام، والمؤسسات الصحية والهلال الأحمر، وأقسام الأجهزة التعويضية والعلاج الطبيعي والمعامل المركزية وبنك الدم. من هنا.. صادفت أمينة المفتي فرصة ذهبية للامتزاج بالفلسطينيين، وبدأت مرحلة العمل التجسسي الأوسع.
هناك تمكنت من التوغل داخل المخيمات والوصول إلى أكثر المناطق حيوية في صفوف المقاومة، حتى وصلت إلى مكتب الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.
بل وحصلت منه على توقيع خطي يسمح لها بالتجول في المواقع العسكرية والمخيمات دون طلب تصريح أو إذن مسبق.
وهناك عرفت الطرق التي سلكها الفدائيون للتسلل إلى إسرائيل، أعدادهم، تدريباتهم، والأسلحة، ومواعيد هجماتهم المرتقبة وأماكن مخازن الأسلحة والإعاشة.
لم تكن تفعل ذلك بهدف التجسس لجمع الأموال، بل بغرض آخر؛ الانتقام لزوجها.
إحباط عمليات المقاومة..
تسببت أمينة بخياناتها في إحباط الكثير من عمليات المقاومة، وتوجيه الجيش الإسرائيلي لقصف الكثير من المواقع المدنية والعسكرية، كتبت المفتي في مذكراتها أنها كانت تشعر بنشوة عارمة وهي ترى من بعيد طائرات إسرائيلية تدك مواقع المقاومة، وحين تسمع صرخات النساء والأطفال، معتبرة أن هذا أفضل انتقام لزوجها المفقود!
استأذنت في السفر إلى فيينا لتسجيل اسمها لدى إحدى جمعيات الطفولة الدولية، وهناك في شقتها أهاجتها الذكريات فضربت عمق وعيها، وأخذت تطوف بالغرف من جديد تتحسس الأرائك والأدراج وأحذية موشيه القديمة.
هناك تخلت أمينة عن أهم قواعد الجاسوسية، وهي السرية المطلقة، وتفاخرت أمامهم جميعاً وخصوصاً أمام سارة صديقتها التي كانت شقيقة موشيه بأنها تثأر لموشيه كل يوم من القتلة العرب، وتنتقم منهم دونما رحمة أو شفقة. قصت عليهم أيضاً الكثير من أسرار عملياتها في بيروت، لم تكن تعرف في ذلك الحين أن سارة على علاقة بشاب فلسطيني قتل اليهود والده وأنه ذهب إلى فيينا يائساً.
بداية السقوط
في هذه الأثناء كانت أمينة قد تمكنت من الوصول إلى علي سلامة، فطلب منها الموساد محاولة علاج أحد أبنائه ولما سألته عن أولاده راوده الشك فيها لأنها لم يكن يعرف أحدهم أن لديه أولاداً، وأنه متزوج من جورجينا رزق ملكة جمال العالم في هذا الوقت.
عزز شكوك سلامة رسالة من شاب فلسطيني في النمسا تقول إن صديقاً له على علاقة بفتاة يهودية «المقصود هنا سارة بيراد»، وأنها ماتت بجرعة مخدرات زائدة، وأنه علم أن أخاها كان متزوجاً من متطوعة في المخيمات الفلسطينية وتهودت وهربت إلى إسرائيل، بعد بحث انطبقت المواصفات على أمينة المفتي فجاء الأمر بإلقاء القبض عليها.
أوقفت المفتي وهي في طريقها إلى دمشق للهرب وعثر معها على سم السيانيد الذي قررت أن تتناوله حالما ألقي القبض عليها، هذا النوع من السم لم يكن موجوداً إلا في إسرائيل.
التحقيق..
نقلت المفتي إلى كهف السعرانة الموحش على شاطئ البحر وسط جبال وأودية بجوار المعسكرات الفلسطينية في الجنوب اللبناني وعذبت بقسوة وعنف بالتنسيق مع المخابرات اللبنانية وقتلوا فتاة في مثل سنها أمامها ترويعاً، في مسلسل للإيقاع بها.
حتى اعترفت باسم الضابط المسؤول عنها في الموساد ونوعية المعلومات التي أرسلتها إلى الموساد الإسرائيلي والشبكة التي جندتها في بيروت.
كانت المفتي أول جاسوسة تجند حارسها الخاص، وأقنعته بالذهاب إلى إسرائيل إلا أنه اكتشف قبل سفره وحكم عليه بالإعدام.
استمر حبس المفتي 5 سنوات، وبعد مباحثات تمت مبادلتها مع اثنين من الفدائيين الفلسطينين «محمد بسيسو، ووليام نصار»، تمت المبادلة في قبرص وكان عمرها آنذاك 41 عاماً.
عملية تجميل
قررت المفتي باقتراح إسرائيلي أن تجري عملية تجميل تغير فيها ملامح وجهها وانتقلت للعيش في مستوطنة محصنة كريات يام شمالي حيفا وتحت حراسة مشددة، بعدما تبرأت منها أسرتها وظلت وحيدة حتى الآن تعيش بهوية جديدة ووجه جديد.