أخصب أراضي فلسطين وسلّة غذائها.. ما هو غور الأردن الذي ستضمه إسرائيل إليها بوعد من ترامب؟
في 10 سبتمبر، تعهد نتنياهو ولأول مرة بفرض السيادة الإسرائيلية على غور الأردن وشمال البحر الميت، واليوم بإعلان صفقة القرن من واشنطن، ستضم إسرائيل رسمياً هذا الوادي ذا الأهمية الاستراتيجية، وسلة غذاء فلسطين، الذي يشكل ثلث مساحة الضفة الغربية، ليس هذا فحسب، بل ستضم إسرائيل جميع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية.
فما هو غور الأردن وما أهميته الاستراتيجية، ولماذا أرادت إسرائيل دوماً السيطرة عليه وسلب خيراته من الفلسطينيين؟
ما الذي يُميز غور الأردن؟
تشكل منطقة غور الأردن وشمال البحر الميت حوالي ثلث الضفة الغربية، واحتلت إسرائيل الضفة الغربية، إلى جانب القدس الشرقية وغزة ومرتفعات الجولان السورية، في حرب يونيو عام 1967. وأعلنت ضمَّ القدس الشرقية رسمياً عام 1980، ومرتفعات الجولان في عام 1981، رغم عدم وجود أي قبول دولي لهذه التحركات طوال عقود.
الغور أو وادي الأردن هو سهل منخفض يقع في القسم الجنوبي من شرق المتوسط، ويرتبط تعريفه بنهر الأردن الممتد من بحيرة طبريا، منحدراً حتى أخفضِ نقطةٍ على سطح اليابسة عند شاطئ البحر الميت بحدود 410 أمتار عن مستوى سطح البحر. ويقسم غور الأردن إلى مناطق كثيرة، منها الأغوار الشمالية والأغوار الوسطى.
ويتميز مناخ الغور بكونه أدفأ بعدة درجات من الأراضي المحيطة به، وهو من أخصب الأراضي الزراعية ذات مخزون مائي، ويطلق عليه «سلة الغذاء»، ولأن مناخه دافئ شتاءً وحار جداً صيفاً فهو مناسب للكثير من الخضر والفاكهة وأشجار أخرى كثيرة، كما أن المناخ الحار يناسب نبات الموز، حيث توجد في الغور مساحات شاسعة من مزارع الموز.
وبحسب المصادر الإسرائيلية، فإنّ 56% من مساحة السهل تقتصر على الاستخدام العسكري، ولا يمكن للفلسطينيين الوصول إلى 85% من أراضيه. وبحسب أرقام الاتحاد الأوروبي، فإنّ غالبية عمليات الهدم التي قامت بها إسرائيل منذ 2009 كانت في غور الأردن (هدم 2,403 مبان لفلسطينيين).
ما أهميته الاستراتيجية؟
إضافة للأهمية الاقتصادية التي يتمتع بها غور الأردن أو وادي نهر الأردن، والذي توجد به مدينة أريحا التي يوجد بها مقر السلطة الفلسطينية بموجب اتفاقات أوسلو منتصف التسعينيات، والتي أطلق عليها اتفاق غزة وأريحا، يتمتع غور الأردن بأهمية استراتيجية قصوى، لأنه يمثل الحدود الشرقية لفلسطين.
وتعتبر محافظة أريحا والأغوار منطقة استراتيجية مهمة، وتشكل مع منطقة طوباس غور فلسطين، لذلك أصبحت المنطقة هدفاً للاحتلال والاستيطان الإسرائيلي منذ احتلال الضفة الغربية، فقد تم بناء مجموعة كبيرة من المستوطنات ومعسكرات تدريب الجيش الإسرائيلي، أتت على مساحات واسعة من أراضي المحافظة، خاصة بعد قرار الاحتلال الإسرائيلي بفصل منطقة الأغوار وعزلها.
ومنذ عام 1967 والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، دون استثناء، تعتبر الأغوار من المناطق الحيوية للأمن والاقتصاد الإسرائيلي، وقد انتهجت هذه الحكومات خططاً متعددة لتهويد الأغوار، بدأت منذ اليوم الأول للاحتلال، وتمثلت بمجموعة من الإجراءات، أهمها عزل الشريط الحدودي مع الأردن بعمق 1-5 كم، وبالتالي ترحيل وتشريد آلاف السكان الفلسطينيين من منطقة الزور والكتاير إلى الجهة الشرقية من النهر.
كما قامت إسرائيل بعزل ومصادرة آلاف الدونمات الزراعية المحاذية للسياج الحدودي مع الأردن، وما يعرف بالخط الأخضر، بحجج أمنية؛ حيث كانت هذه الأراضي تشكل الملكية الوحيدة لآلاف العائلات من المزارعين الفلسطينيين، وقامت بمصادرة آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية الخصبة لصالح إقامة المستوطنات الزراعية والأمنية، كما منعت إسرائيل البناء والتطور العمراني في جميع قرى الأغوار.
والأهم أن إسرائيل ومنذ بداية الاحتلال قامت بالسيطرة على مصادر المياه، ممثلة في نهر الأردن، إضافة للمياه الجوفية.
يقول جيمس سورين، المحلل في شؤون إسرائيل والشرق الأوسط والمدير التنفيذي لمركز إسرائيل للاتصالات والبحوث في المملكة المتحدة، لموقع بي بي سي البريطاني: «لطالما كانت السيطرة على غور الأردن ضرورية لإسرائيل؛ لأن الحدود بين إسرائيل والأردن هي نوع من البوابة لبقية دول الشرق الأوسط» .
يضيف سورين: «في مفاوضات السلام الأخيرة، كان الوادي نقطة خلاف لأن إسرائيل تعتزم البقاء هناك لمدة نصف عقد على الأقل، وقد أراد الفلسطينيون تقليص تلك المدة، وكان الحفاظ على السيطرة العسكرية هو الحد الأدنى من متطلبات إسرائيل في المحادثات» .
وفقاً لسورين، فإن للضفة الغربية ومنطقة غور الأردن معنى كبيراً بالنسبة لليهود الأرثوذكس؛ لأن جزءاً من تراثهم التاريخي المزعوم كان في تلك المناطق.
ما هي أبرز المشاريع التهويدية لغور الأردن؟
هناك إجماع بين قادة إسرائيل -على اختلاف توجهاتهم- بضم القدس وغور الأردن، وتبلور ذلك فيما يُعرف باسم مشروع (آلون)، الذي بدأت إسرائيل بتنفيذه أواخر الستينيات ببناء مجموعة كبيرة من المستوطنات على طول نهر الأردن.
والآن يوجد أكثر من 35 مستوطنة إسرائيلية، يعيش فيها أكثر من 7500 مستوطن، منها خمس عشرة مستوطنة تقع على أراضي محافظة أريحا والأغوار، فضلاً عن المعسكرات والقواعد العسكرية التابعة للجيش الإسرائيلي والحواجز العسكرية، والبؤر الاستيطانية، ومخطط الجدار الشرقي الذي يأتي على مساحات شاسعة من أراضي المحافظة الشرقية، بحسب تقرير نشرته مؤخراً وكالة الأنباء الفلسطينية.
ويبلغ عدد المستوطنات المقامة على أراضي محافظة أريحا والأغوار 15 مستوطنة، كما يوجد في محافظة أريحا 6 بؤر استيطانية، بالإضافة إلى 19 معسكراً وقواعد عسكرية ومناطق تدريب للجيش الإسرائيلي، ومعظم المستوطنات التي تقع على أراضي محافظة أريحا والأغوار ذات طابع عسكري وزراعي، وتتبع المجلس الاستيطاني المعروف باسم المجلس الاستيطاني «أرفوت هياردين» (وادي الأردن).
ماذا يعني ضم غور الأردن بالنسبة للسلطة الفلسطينية؟
بتنفيذ نتنياهو لوعوده وبإعلان ضم غور الأردن لإسرائيل، فهذا يعني ببساطة إلغاء فكرة وجود دولة فلسطينية من الأساس، حيث إن غور الأردن يمثل الحدود الشرقية للدولة التي يفترض إقامتها بموجب اتفاقيات السلام، كما أن مدينة أريحا التي تعتبر مركزاً للسلطة الفلسطينية ستصبح بيد إسرائيل، وبضم تلك المنطقة التي تمثل ثلث الضفة الغربية، وضم المستوطنات الأخرى، يعني أن أي دولة فلسطينية في المستقبل لن تكون سوى جيوب منعزلة من الأراضي داخل إسرائيل.
وهذا الطرح، من المؤكد أنه سيقضي تماماً على فكرة التوصل لحل سياسي للصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين ومن ثم دخول الصراع مرحلة جديدة لا أحد يمكنه التنبؤ بطبيعتها ولا نتائجها.