أبو الغيط: إيران وتركيا تحملان مشروعا سياسيا يتم تطبيقه خارج حدود الدولتين
أكد أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، أن أصل المشكلة فى العلاقة بين الدول العربية من جهة وإيران وتركيا يتمثل فى أن كلا الدولتين تحملان مشروعاً سياسياً يجرى تطبيقه خارج حدود دولته، وبالتحديد في المنطقة العربية .
جاء ذلك فى كلمة أبو الغيط اليوم اليوم الإثنين، فى افتتاح ندوة “نحو بناء استراتيجية موحدة للتعامل مع دول الجوار الجغرافى” التى ينظمها البرلمان العربى.
وقال أبو الغيط: لقد تأخرنا كثيراً فى تناول موضوع العلاقات العربية مع دول الجوار بصورةٍ مُعمقة تتجاوز الجارى من الأحداث أو الطارئ من القضايا .. إلى ما هو استراتيجى ومستقبلى وبعيد المدى، ومن هنا تأتى أهمية اجتماعنا اليوم الذى يطرح مسألة التعامل مع دول الجوار الجغرافى على طاولة البحث الفكرى، والحوار العملى، معربا عن يقينه بأن علاقةً صحية وصحيحة، تنطلق من أسس سليمة مع دول الجوار، ينبغى أن تحتل مكانها كأولوية رئيسية على أجندة الفكر الاستراتيجى العربى، فى جانبه النظرى، وتطبيقاته العملية على حدٍ سواء، مشيرا إلى أنه من حيث المبدأ، إن الحوار المباشر يظل السبيل الأنجح والجسر الأقصر لتناول هذه المعضلات جميعاً، بصورة تستجيب لشواغل الجميع وتحقق مصالح الجميع.
واستدرك قائلاً: “إننا نقف هنا ونقول: هل يكون هذا الحوار من دون أسس أو مبادئ تُحدد وجهته وأهدافه وإطاره العام؟.. إننى أتحدث هنا على وجه التحديد عن دولتين جارتين للعالم العربى، هما إيران وتركيا”.
وقال: الأمور تأزمت مع إيران وتركيا فى الآونة الأخيرة، إلى حد صار معه الحوار صعباً، بل وغير مجدٍ فى الوقت الحالى، فالحوار لغرض الحوار، من دون إطار مفاهيمى يحكمه أو نقاط مرجعية تضبطه، لا يكون سوى تمرين ذهنى، أو استعراضٍ شكلى، لا يُعالج القضايا الجوهرية ولا يؤسس لعلاقة صحية.
وأضاف الأمين العام لجامعة الدول العربية: “لا أريد أن أخوض فيما هو معروف للكافة من مظاهر التوتر الشديد فى العلاقة مع هاتين الجارتين، ولكن يكفى أن أقول إنه كان هناك منتدى للتعاون العربى التركي، تأسس منذ عام 2007، وعقدت 5 دورات له على المستوى الوزارى، قبل أن يتوقف فى 2013 لأسباب معروفة لنا جميعاً، مشيرا إلى أن تدخلات إيران فى الشئون الداخلية للدول العربية، صارت بنداً دائماً على أجندة مجلس الجامعة العربية منذ 2015.
وقال: “نشاهد اليوم ما تُباشره إيران وأذرعها من تهديدات خطيرة للأمن القومى العربى، بل وللأمن العالمى فى واحد من أدق مفاصله المتعلقة بأمن طرق التجارة والممرات البحرية وسلامة المنشآت البحرية، وتابع: هناك كثير من التفاصيل الكثيرة والمؤلمة فى العلاقة مع الدولتين الجارتين للعالم العربى، التى انحدرت لحد مؤسف لا يتمناه أى عربى لعلاقة مع دولتين إسلاميتين تربطنا بهما عُرى التاريخ والجغرافيا، وأواصر الدين والثقافة، لافتا إلى أن أصل المعضلة – من وجهة نظرى – يتمثل فى أن كلا الدولتين تحملان مشروعاً سياسياً يجرى تطبيقه خارج حدود دولته.. وبالتحديد فى المنطقة العربية.
وأضاف: إيران تعتبر أن المنطقة العربية ساحة مفتوحة ومباحة لمشروعها التوسعى، وتُعطى لنفسها حق التدخل فى أزمات الدول العربية، بل إشعال هذه الأزمات فى أحيان كثيرة، من أجل الدفع قُدماً بهذا المشروع الذى يتعارض مع أسس الدولة الوطنية على طول الخط ، ويضرب بمبدأ السيادة وعدم التدخل فى الشئون الداخلية عرض الحائط، ويدفع بالمنطقة إلى أتون حروب طائفية نرى تجلياتها –للأسف- فى عدد من نزاعات المنطقة اليوم.
ولفت أبو الغيط، إلى أن تركيا تدفع بمشروع آخر لا يقل خطورة، يعتنق الإسلام السياسى فى ثوب من العثمانية الجديدة، ويسعى إلى الترويج لمنطلقاته الأيديولوجية فى منطقة ثبت أنها ترفض هذا المشروع، فتركيا، تُعطى لنفسها الحق بالتدخل والتوغل فى أراضى دول عربية دفاعاً عما تعتبره أمنها القومى، ومن دون أى اعتبار لأمن الآخرين، أو سيادة الدول، وهو توجه مرفوض، ولا يؤسس لعلاقة سليمة ومتوازنة بين طرفين تقوم على الاحترام المتبادل.
وشدد على أن كلا المشروعين، الإيرانى والتركى، توسعى ويؤسس لعلاقة تقوم بين طرف مُهمين وآخر تابع، وكلاهما يقفز فوق الدول وسيادتها، وكلاهما يرى فى الصراعات الدائرة فى المنطقة فُرصة للتغلغل والتمدد، وهو نظرٌ قاصر يقتنص مغانم قريبة، ولا يهتم بعلاقة طويلة الأمد تقوم على الثقة المتبادلة، وتُحقق منفعة مشتركة للجميع عبر التعاون فى مواجهة تهديدات، هى بطبيعتها، تستلزم حواراً إقليمياً، معربا عن التطلع إلى يوم يتغير فيه ذاك النهج، فيكون للحوار ساعتها معنى ونتيجة.
وانتقل أبو الغيط إلى العلاقات مع الجوار الأوروبى، مشيرا إلى أن الحوار العربى الأوروبى مستمرٌ منذ سبعينات القرن الماضى، لافتا إلى أن بين العرب وأوروبا مصالح راسخة وقواسم مشتركة وأطر مؤسسية ممتدة، سواء على الصعيد المتوسطى أو الأوروبى العام، منوها باختراق مهم تحقق مؤخراً بانعقاد القمة العربية-الأوروبية الأولى بشرم الشيخ فبراير الماضى، حيث مهدت هذه القمة الطريق لحوار صريح، وبناء يخاطب شواغل الطرفين؛ العربى والأوروبى.
وشدد على أن هذا الحوار، لكي يكون مثمراً، لابد أن يشمل القضايا التي تهم الطرفين، وألا ينطلق أو يتأسس على قضية بعينها، كالهجرة غير النظامية أو غيرها.. وإنما يخاطب مختلف أوجه العلاقات بين منطقتين تجمعهما روابط سياسية واقتصادية وثقافية .. ولكل منهما شواغلها الأمنية والسياسية.
وقال إن المشكلة إن الأوروبيين يركزون في العلاقة مع العرب على الهجرة غير الشرعية، مشيرا إلى انه أبلغهم مراراً أن سبب تفجر مثل هذه الأزمات هو سياساتهم على مدى عقد كامل تجاه المنطقة خاصة في سوريا وليبيا.
وبالنسبة للعلاقات مع الجوار الإفريقي.. قال أبو الغيط إنها –وبكل صراحة- تحتاج إلى دفعة تُنشطها وتبث الحياة في أوصالها..مشيرا إلى أن أربع قممٍ عربية-افريقية قد عُقدت إلى اليوم، معربا عن التطلع إلى انعقاد الخامسة بالمملكة العربية السعودية في نوفمبر القادم.
وقال أن هذه العلاقات ما زالت بعيدة عن المستوى الاستراتيجي المأمول فى ضوء كون عشر دول عربية أعضاء فى الاتحاد الإفريقى، وكذلك فى ضوء أهمية الجوار الإفريقى المتزايدة، سواء على الصعيد الأمنى أو السياسى أو الاقتصادى، خاصة فيما يتعلق بقضايا بعينها مثل الهجرة غير النظامية والإرهاب والتعاون الاقتصادى والأمن المائى.
وأشار أحمد أبو الغيط، إلى أن أفق العلاقات مع جوارنا الإفريقى واعدٌ ومبشر، وثمة دول عربية تُباشر علاقات نشطة ومتشعبة مع هذا الجوار ودوله، إلا أن هذه العلاقات تجرى فى أغلبها فى مسارات ثنائية بين هذه الدولة العربية أو تلك ونظيراتها من الدول الإفريقية، ولا يتم التخطيط لها أو تنسيقها على صعيد جماعى، ومن ثم فلا يعود أثرها على المنطقة العربية ككل، ولا تنعكس على قضاياها الجماعية مثل القضية الفلسطينية.
وقال الأمين العام للجامعة العربية: “ليس سراً أن افريقيا كانت ميدان تأييد تقليدى لهذه القضية المركزية لدى الجانب العربي.. إلا أن مياهاً قد جرت تحت الجسور، فتغيرت الصورة نوعاً ما، وبعض المسئولية نتحمله كطرف عربى من دون شك، وتابع: إننا لم نذكر إسرائيل فى سياق الحديث عن الجوار العربى، إلا أننا ننظر إليها أيضاً بوصفها دولة جوار.. بيننا وبينها قضية واضحة ومحددة هى القضية الفلسطينية.
وأضاف: “إذا اختارت إسرائيل السبيل الوحيد المعقول والمقبول من جانبنا كعرب لحل هذه القضية، وهو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، فسيتم قبولها في المنطقة كطرف إقليمى طبيعى، وهذا هو جوهر مبادرة السلام العربية.
وشدد على أنه إذا ماطلت إسرائيل وراوغت من أجل قنص ثمار السلام من دون دفع ثمنه العادل.. فإن قبولها كطرف إقليمى نقيم معه علاقات طبيعية سيظل بعيد المنال.. تلك هى المعادلة ببساطة، وأى التفاف عليها، بمبادرات دولية أو غيرها، لن يُفضى إلى شىء، طالما بقى أصل القضية وجوهر الصراع من دون حل عادل ودائم.
وخلص أبو الغيط، إلى أن أى تعامل مع جوارنا الإقليمى، ولكى يكون نافعاً ومجدياً، لابد أن يسبقه اتفاق بيننا كدول عربية على أولويات أمننا القومى، وتوافق واضح حول منطلقاتنا الاستراتيجية الرئيسية.
وأردف قائلا: ” إنه لا يُضعف الموقف العربى شىء قدر الحوار مع الآخرين فرادى، من دون أولويات واضحة متفق عليها، أو موقف جماعى محدد ننطلق منه، ومن ثمّ فإن الحوار المطلوب –أولاً- هو حوار مع الذات، قبل أن ننتقل إلى مرحلة الحوار مع الآخر.
وأعرب عن قناعته بأن الجامعة العربية هي خيرُ من يرعى مثل هذا الحوار الذي طالب به منذ توليه المسئولية ، مشيرا إلى أن لقاء اليوم يأتي في هذا الإطار.
واختتم كلمته بالقول “أرجو أن تتواصل مثل هذه المبادرات من جانب كافة الفاعليات المعنية بالشأن القومي والتفكير الاستراتيجي والقضايا العربية .. بامتداد العالم العربي من المحيط إلى الخليج.