أبهرتهم «التجربة المصرية».. أوروبا تكافئ القاهرة لتصدّيها للهجرة غير الشرعية، وتمنحها امتيازات مقابل «مهمة خاصة» على الساحل الليبي
يوم 2 مارس 2017، وقفت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بجوار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أمام حشد من الصحافيين في قصر الاتحادية بالقاهرة، لتعلن أن «السيسي شريك أساسي في خطط أوروبا لإحباط الهجرة غير الشرعية». كان هذا الملف هو أحد الأسباب الرئيسية الذي جعل المستشارة تقوم بزيارة لمصر، هي الأولى منذ وصول السيسي لسدة الحكم عام 2013.
في ذلك الوقت، وعدت ميركل السيسي بمنحه مساعدات إضافية للقيام بمهام وقف الهجرة غير الشرعية عبر الشواطئ المصرية نحو أوروبا. وكانت مصر تمر بمرحلة حاسمة جداً من الناحية الاقتصادية. برلين تعهدت بمنح القاهرة 500 مليون يورو كمساعدات مالية بالتنسيق مع صندوق النقد الدولي.
كان الرئيس المصري يعلم جيداً أن الهجرة غير الشرعية هي الهاجس الأكبر لأوروبا، وأن أحد أهم مفاتيح اعتماده أوروبياً هو عبر نجاحه في هذه المهمة.
والآن بعد مرور قرابة عام ونصف عام منذ تلك الزيارة، نجحت مصر نجاحاً باهراً في وقف الهجرة غير الشرعية، لدرجة أن سجلَّ مصر من حالات الهجرة هذه أصبح «صفراً»، وهو ما شجع ألمانيا ومِن ورائها فرنسا، ليس فقط على الاحتفاء بهذه التجربة المصرية ومكافأتها، ولكن تصديرها لدول الجوار تحت رعاية خفر السواحل المصري.
الاتحاد الأوروبي يحتفي بمصر
اتفق قادة الاتحاد الاوروبي يوم الخميس 20 سبتمبر 2018، على بدء مفاوضات مع مصر ودول أخرى في شمال إفريقيا، باعتبارها «خطوة إضافية مهمة» لوقف الهجرة الى أوروبا، كما أعلن المستشار النمساوي سيباستيان كورتز.
وقال كورتز إن القادة المجتمعين في مدينة سالزبورج النمساوية ساندوا الخطة بعدما لفتوا إلى أن مصر «مستعدة لتكثيف المحادثات مع الاتحاد الأوروبي»، بعدما تحركت لوقف انطلاق المهاجرين في السنتين الماضيتين.
وأشار مصدر بالاتحاد الأوروبي إلى أن اجتماع قادة الاتحاد الأوروبي شهد مطالبات ألمانية فرنسية بضرورة مكافأة مصر والاحتفاء بها؛ لكونها تعد «نموذجاً يحتذى به في وقف الهجرة غير الشرعية».
وتشمل مكافأة القاهرة تسهيل دخول المنتجات المصرية، خصوصاً الملابس الجاهزة إلى أوروبا، وضخ استثمارات من ألمانيا وفرنسا إلى مصر، بالإضافة إلى استثمارات تصب في قطاع التعليم الفني الذي يهتم به الرئيس المصري كثيراً حالياً.
أضف إلى هذا، موافقة برلين وباريس على إعادة جدولة جانب من الديون المصرية، سيتم الاتفاق عليها وتحديدها لاحقاً.
لكن هناك طلب جديد
هذه المكافأة تتضمن طلباً آخر تريده أوروبا من مصر يتعلق أيضاً بالهجرة غير الشرعية، لكن ليس عبر السواحل المصرية هذه المرة؛ بل الليبية.
المطلب الجديد هو أنه كما تمكنت قوات خفر السواحل المصرية من ضبط السواحل الشمالية لمصر أمام المهاجرين، فستسهم مع تونس في ضبط السواحل الليبية.
وطبقاً للمصدر المطلع بالاتحاد الأوروبي، فإن نصف الأسطول البحري الإيطالي موجود حالياً على طول السواحل الليبية؛ من أجل منع الهجرة، لكن دون فائدة.
وسيتم تقسيم الساحل الليبي بين مصر وتونس، بحيث تتولى القاهرة مهمة الجزء الأطول وتتولى تونس مساحة صغيرة منه في الغرب، وكل هذا بتنسيق مع الأسطول الإيطالي، ودون أن يتم دفع أموال إضافية لمصر.
مصر ستشارك في منع تدفق المهاجرين عبر السواحل الليبية
ليست مصر فقط
وسبق أن توصل الاتحاد الاوروبي إلى اتفاقات تعاون مع تركيا وليبيا، أدت إلى وقف كبير للهجرة إلى أوروبا منذ أن وصلت الأعداد إلى ذروتها في 2015، لكنه يريد توسيع العمل مع كل دول شمال إفريقيا.
وأضاف كورتز للصحافيين بعد العشاء الافتتاحي للقمة الأربعاء 19 سبتمبر 2018، أن القادة اقترحوا «فتح محادثات مع مصر، لكن أيضاً مع دول أخرى في شمال إفريقيا».
وأوضح عند وصوله لبدء اليوم الثاني من المحادثات، الخميس 20 سبتمبر 2018، حول الهجرة والأمن ومفاوضات «بريكست»، أن «هذا الاقتراح سانده الجميع».
وقال كورتز، الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، إنه سيعمل مع رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، الذي يترأس قمم الاتحاد الأوروبي، على إجراء محادثات مع هذه الدول.
وأكد أن المؤشرات من مصر مشجعة.
مصر أثبتت فاعليتها
وقال: «مصر هي أول دولة في شمال إفريقيا مستعدة لتكثيف المحادثات مع الاتحاد الأوروبي»، مضيفاً: «لقد أثبتت مصر أن بإمكانها أن تكون فعالة»، مشيراً إلى أنها منعت سفناً من مغادرة شواطئها، أو أرغمت البعض على العودة بعد مغادرتها.
وأكدت وزارة الخارجية المصرية، الخميس 20 سبتمبر 2018، اقتراح عقد قمة بين الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية في مصر، لكنها أضافت أن الهجرة لن تكون الموضوع الوحيد المدرج على جدول الأعمال.
وأوضح السفير أحمد أبو زيد، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، أن «انعقاد قمة عربية-أوروبية في مصر أمر مقرر سلفاً»، وفقاً لقرارات صادرة عن الجامعة العربية، مشيراً إلى «أن القمة المقترحة تتناول قضايا التعاون العربي-الأوروبي كافة، وليست قاصرة على موضوعات الهجرة مثلما تردد».
تعميق التعاون
وقال كورتز، الذي زار مصر في الآونة الأخيرة مع توسك، إن الاتحاد الأوروبي يجب أن «يستفيد» من واقع أن مصر تبدو مهتمة بتعميق التعاون.
ودعا توسك، رئيس الوزراء البولندي السابق، في وقت سابق من هذا الأسبوع، إلى قمة للاتحاد الأوروبي مع الجامعة العربية التي مقرها في مصر، كجزء من جهود وقف الهجرة.
ورغم تراجع أعداد الوافدين إلى أوروبا مقارنة مع أرقام 2015، لا تزال مسألة الهجرة إحدى أولويات الدول الـ28، وجعلت منها أحد أبرز المواضيع المطروحة على جدول أعمال القمة غير الرسمية في سالزبورغ مع مسألة «البريكست».
وأكد كورتز، الذي يعتمد نهجاً متشدداً في هذا الملف، أن «مسألة الهجرة لن تُحَل عبر تقاسم (أعباء المهاجرين داخل الاتحاد الأوروبي)، وإنما الدفاع عن الحدود الخارجية»، كما ترغب المفوضية الأوروبية في تعزيز إمكانات عمل الوكالة الأوروبية لحماية الحدود وخفر السواحل (فرونتكس).
ورداً على انتقادات فيينا، التي اتهمت الخميس عواصم في جنوب أوروبا بأنها تتناول بتردد، مسألة تعزيز مهمة «فرونتكس»، أكد مصدر دبلوماسي إسباني لـ»رويترز»، أن بلاده «لا ترى أي شيء غير مناسب» في هذا الإجراء مستدركاً: «لكننا نعتبره آلية مرنة ومكملة».
حق البلاد في رفض المهاجرين
من جهته، أعلن رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، الذي يخشى مساساً بسيادة بلاده، الخميس 20 سبتمبر 2018، أنه اقترح على الرئاسة الأوروبية ضمان «حق البلاد في الدفاع عن حدودها بنفسها».
وقال مصدر مقرب من الرئاسة الفرنسية إن مسألة السيادة «نقاش خاطئ»؛ لأنه «لم يقل أحد إن عنصراً من حرس الحدود الأجانب يمكنه فرض قراره في البلد الذي يتمركز فيه».
ولا يزال الاتحاد الأوروبي يواجه رفض المجر ودول أخرى في أوروبا الشرقية استقبال طالبي لجوء، وخصوصاً من دول إسلامية.
ومنذ الصيف، ردّت إيطاليا سفن إنقاذ تنقل مئات المهاجرين الأفارقة؛ لإرغام دول أخرى من الاتحاد الأوروبي على تحمّل المسؤولية معها.