آخر انتهاكات فصائل «درع الفرات»: مساومة نازحة عراقية وخطف زوجها بحجة انتمائه لتنظيم «الدولة»
بعد مرور ما يقارب الشهر على بداية العملية العسكرية التركية في شمالي سوريا، ضد قوات سوريا الديمقراطية، بمشاركة فصائل من المعارضة تحت مسمى « الجيش الوطني «، ومع سيطرة هذه الفصائل على مدن وقرى عدة في الشمال الشرقي لسوريا، بدأت تتوارد بعض الانباء التي تتحدث عن انتهاكات وتجاوزات جسيمة، تقوم بها هذه الفصائل، من عمليات اعدام ميداني، وخطف، وسرقات، مما دفع ببعض سكان تلك المناطق للنزوح من قراهم جنوباً، كما حصل مع سكان قرية «ام عشبة» بريف رأس العين.
تلك التجاوزات باتت مزعجة للجانب التركي الداعم لفصائل درع الفرات، حيث غصت بها وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، مما دفع السلطات في تركيا، لإنشاء المحكمة العسكرية في رأس العين، كمحاولة لكبح جماح عناصر تلك الفصائل ومحاسبة عناصرها المخالفين، وان بدت تلك خطوة متأخرة.
وقد وصلت الانتهاكات للاستغلال الجنسي، وغالباً ما يكون النازحون من خارج المنطقة ضحية لتلك الفصائل، ومنهم عراقيون، هاربون من ملاحقة الميليشيات الطائفية في العراق ومن جحيم الحرب السورية، حيث يسلكون طريق منبج – ريف حلب – وصولاً لإدلب او عفرين، ومنها يتوجهون نحو تركيا ويدخلونها بطريق التهريب للبحث عن حياة افضل هناك .
أغلب العراقيين الذين عاشوا في مناطق ريف حلب تعرضوا للابتزاز والاعتقال من تلك الفصائل، والحجة كانت جاهزة دائماً، الانتماء لتنظيم الدولة، وهذه الحجة باتت ملاصقة هناك للعراقيين وايضاً للسوريين، من أبناء محافظة ديرالزور، وغالباً يختفي اغلبهم في سجون تلك الفصائل، وآخر فصول حالات الابتزاز تلك، قصة العراقية «غيداء» ، شابة عراقية تبلغ من العمر 22 سنة، من محافظة الانبار شرقي العراق، قدمت منذ حوالي 6 شهور مع زوجها لشمال سوريا، من ريف ديرالزور الشرقي الخاضع لسيطرة الأكراد من «قسد»، حيث كانت نازحة هناك، وبسبب سوء الاوضاع المعيشية وتهديدات النظام المتكررة بالعبور لمناطق قسد بديرالزور، قررت مع زوجها الذهاب لتركيا، قبل ان يحدث معها ومع زوجها، ما لم يكن متوقعاً، تقول غيداء «كنا نسكن في احد المنازل في مدينة البصيرة في ريف ديرالزور، لا يوجد هناك أمان، او عمل، الحياة شبه متوقفة هناك، وتحصل تفجيرات واشتباكات في المنطقة بين حين وآخر، لذلك اضطررنا لدفع مبالغ كبيرة على كل حواجز «قسد» المنتشرة هناك، وبمساعدة احد المهربين، تمكنا من دخول منبج ثم الوصول لمدينة أعزاز، وخلال هذه الرحلة التي دامت تسعة ايام دفعنا مبلغ 2500 دولار، وبعد مكوثنا في احد الفنادق في مدينة أعزاز طلب صاحب الفندق منا اثبات شخصي، فقام بتصوير جوازات سفرنا، وقال انه سيتوجب عليه التواصل مع الشرطة في اعزاز للتأكد اننا لسنا مطلوبين، مضى يومان ونحن في الفندق وفجأة دخل علينا 4 اشخاص مسلحين، كانوا جميعاً ملتحين وأحدهم يلبس «باكستانية»، وأخذوا زوجي معهم، وقالوا لي ساعة وسنعيده، سنسأله اسئلة عدة فقط ثم سنتركه، ومضى الليل ولم يرجع، ومضى يومان وبدأت أسأل عنه في المخافر ولا احد يعرف شيئاً عنه، كنت وحيدة وغريبة، وفي منتصف الليل طرق باب غرفتي احد المسلحين الذين كانوا ممن اعتقلوا زوجي، سألته اين زوجي هل احضرتموه؟ قال: زوجك «داعشي» وسُيحاكم، أقسمت له انه ليس داعشياً وليس لنا علاقة بداعش، اجاب بكل برود، كل عراقي في سوريا داعشي، ترجيته ان أرى زوجي، فأجاب: هذا يعتمد عليكِ!».
سألته كم تريدون من المال، قال لا اريد المال، اريدك انتِ، ساعة واعتبري الموضوع منتهياً وسأدعكِ ترينه، لم اتخيل وقاحته، شتمته، وبدأت بالصراخ «حسبي الله ونعم الوكيل عليكم» ، فصفعني على وجهي، ودفعني للداخل واغلق الباب وركب سيارته ورحل، كانت سيارة عسكرية لأن عليها رشاش، وكان معه شخص ثاني كان ينتظره فيها».
تضيف غيداء: «بقيت بعد اختطاف زوجي شهرين في مدينة اعزاز، ابحث واسأل عنه في مقرات الفصائل العسكرية لوحدي، ولا أحد يعلم عنه أي شيء، لم يبق لدي مال لأجرة الفندق، وكنت حاملاً وخلال تلك الفترة تعرفت على عائلة نازحة من محافظة حمص مكونة من نساء واطفال ومعهم رجل يبلغ من العمر 70 سنة، وهم نازحون في مدينة اعزاز منذ ما يقارب العامين، ويسكنون جنب الفندق الذي كنت أقيم فيه، أشفقوا عليّ وأسكنوني معهم، خاصة اني كنت حامل، أخبروني ان الامور مع اغلب العراقيين هكذا تتم هنا، اغلبهم يتعرض للسرقة والابتزاز، والاستغلال والحجة هي الانتماء لتنظيم الدولة، ويتم سرقة كثيرين منهم، بل وتصفيتهم، ليس هكذا فحسب، بل تتعرض النساء لمحاولة الاستغلال الجنسي، اذ يحاول عناصر فصيل أحرار الشرقية، استغلال النساء من أقارب أو زوجات المعتقلين لديهم، اللواتي يرغبن بإطلاق سراح أزواجهن او أقاربهم المسجونين». وأنجبت غيداء طفلة، لم تر والدها المفقود، وتعيش حالياً مع رضيعتها في إدلب، بعد أن تكفلت منظمات خيرية في ادلب، برعايتها وايجاد سكن لها.
ما حصل مع غيداء أثار غضباً واسعاً، وهو ما أدى إلى تدخل قيادات فصائلية في درع الفرات، قريبة الأجهزة الأمنية التركية، بهدف تحديد ومحاسبة مرتكبي هذه الانتهاكات، وهو أمر يبدو مستبعداً في ظل الفوضى الأمنية والتجاوزات العارمة في مناطق درع الفرات. وقصة غيداء، واحدة من مئات القصص المؤلمة والتي تعكس الواقع الأليم الذي يعيشه معظم اللاجئين العراقيين في سوريا.