ثقافة وفنون

«المرأة» خيال الغرب وواقع الشرق..  أيّ علاقة بين الحريمين في لوحات المستشرقين»

عرف القرن الثامن عشر تدفقا غربيا باتجاه الشرق بلغ درجة الهوس من خلال هجرة مئات المغامرين والرحالة والأدباء والرسامين والباحثين عن المال والمتع والاكتشافات الجديدة، كانت هجراتهم مكثفة خصوصا باتجاه بلدان المغرب العربي ومصر وبلاد الشام والعراق، سميّت هذه الهجرات فيما بعد “الإستشراق”، وعرفت كظاهرة اقترنت في رؤيتها المباشرة بإشارات ومشاعر جمعت حب المعرفة والرومانسية والمغامرة وفي رؤيتها المقنّعة اختزنت رغبة في السيطرة والاحتلال وقد اختلفت أجيال المستشرقين التي توافدت بحثا عن الصورة والفكرة والتقنية والألوان والأضواء والخيال المزين بتفاصيل الغرابة والدهشة وبواقع اختلف عن المألوف في جغرافيا الغرب.

خرجت صورة حريم الشرق في الفن التشكيلي مختزلة لصور الشرق نفسه بين الخيال والحقيقة.

ففي الخيال الغربي تضمن حيز التعبيرات البصرية مبالغة، حيث اعتمد الرسامون على مخاطبة شعوبهم من خلال الرسم والصور وكانوا يركزون على ما ينقله الكتّاب والفلاسفة والرحالة في وصفهم “عالم الحريم” أو المرأة الشرقية، هذا العالم الذي كان من الصعب اقتحامه لأنه محكوم بالسلطة الذكورية وبالعادات والتقاليد فهو فضاء البيوت المغلقة، ونتيجة هذا الغموض جعلت الغربي يسعى دوما إلى اكتشافه من خلال رسم المرأة الشرقية في لوحات قريبة من تلك اللوحات الغربية الكلاسيكية التي ميّزت الأعمال الفنية في عصر النهضة بأوروبا وما تلاها من فترات تاريخ الفن التشكيلي الغربي، حيث كنّ يرسمن كشخصيات دينية في بورتريهات الطبقة الرفيعة أو نساء عاريات على شيء من الحسيّة بالنسبة لعامة الناس، وهذا في حدّ ذاته ليس نقلا واقعيا مباشرا لصورة المرأة الغربية وإنما انعكاس عام لسيكولوجية الفنانين الغربيين في تلك الفترة فتمثيل النساء على ذلك التصوّر كان إسقاطا لما يريده الرجل وتمرّدا على طبيعة المجتمع الغربي، فكانت صورة المرأة الشرقية وفق ذلك الإسقاط تحيطها قدسية جذابة ممزوجة بفنتازيا شرقية في زخرف المكان، طبيعة الشرق، الأزياء الأقمشة الفرش والحرير، الألوان، التنوع العرقي والديني.

فهي نقل تصويري متخيل لأنها تصورات ذاتية معتمدة على موديلات مراسم روما وباريس ولندن، وفي لوحات أخرى نقلت الفضاء الخاص بالحريم البيوت الواسعة بأبوابها وحجبها بجدرانها وزخرفها بساحاتها الواسعة وعوالمها الغامضة.

والكاتب الانجليزي “توماس مور”، كتب يصف الحياة الشرقية وفق مخيلته “عالم يغصّ بنساء ذوات عيون واسعة سوداء، يملؤها الحب والرغبة، لكنهن قابعات في أسر رجال أشرار. كما يغصّ بالولائم الفاخرة، والحرير والمجوهرات والعطور والرقص والأشعار”.

تشكلت رؤية الوعي الغربي للشرق والمرأة الشرقية على تلك الصور التي تعكس الجسد والجنس من نواحيه الرمزية التي بالغ الرسامون المستشرقون في التعبير عنها صورا دقيقة وحرفية تعبيرية دقيقة الألوان والأضواء وتقنية التي عكست تأثرا كبيرا مكّنهم من أو يحوّلوا كل الأفكار والقراءات والاصوات والحركات صورا وإيحاءات وانطباعات شكلت صورة المرأة بمورفولوجيا جسد جميلة بقوام ورشاقة بامتلاءات شهوانية وكانت فكرة الحضور في فضاءات الجواري عالم من الدهشة تسجن المرأة في جسد للشهوة والكسل والخمول والاستعباد والمكر وإسعاد الملوك والسلاطين والرجال.

*الأعمال المرفقة

مجموعة المستشرقين: متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية

Farhat Art Museum Collections

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى